الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص360
خاص ، فإن لم يجد حاكما ، أو كان إلا أنه غير مأمون جاز أن يختار لها أمينا ثقة يستودعه إياها ؛ لأنه لا يقدر على غير ذلك في حفظها ، ولأن النبي ( ص ) أودع ما خلفه من الودائع عند أم أيمن حين هاجر واستخلف عليا في الرد – رضي الله عنه – .
وهل يلزمه الإشهاد عليه عند دفعها إليه أم لا : أحدهما : يلزمه الإشهاد عليه خوفا من تغير حاله وحدوث جحوده ، فعلى هذا إن لم يشهد عليه ضمنها .
والوجه الثاني : لا يلزمه الإشهاد عليه ، لأنه ينوب عن المالك ، ولأن قول الأمين في الرد مقبول ، فعلى هذا إن لم يشهد عليه لم يضمنها ، فإن لم يجد ثقة يستودعه إياها لم يخل حينئذ حال المصر والسفر من أربعة أقسام :
أحدها : أن يكون المصر مخوفا بغارة ، أو حريق ، والسفر مأمونا ، فعليه أن يسافر بالمال معه ، لأنها حال ضرورة هي أحفظ وأحرز ، فإن تركها وسافر كان ضامنا ، وإن سافر بها لم يضمنها .
والقسم الثاني : أن يكون المصر مأمونا والسفر مخوفا ، فعليه تركها في المصر على ما سنذكره ، ولا يجوز أن يسافر بها ، فإن سافر بها ضمن .
والقسم الثالث : أن يكون المصر مخوفا والسفر مخوفا ، فلا يجوز أن يسافر بها ، لأنه إذا استوى الخوفان كان خوف السفر أعم .
والرابع : أن يكون المصر مأمونا والسفر مأمونا ، ففي جواز السفر بها وجهان :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، والظاهر من كلام الشافعي : لا يجوز أن يسافر بها ، فإن سافر بها ضمن ، لأن السفر أخطر .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : يجوز أن يسافر بها ، ولا ضمان عليه ، لاستواء الأمن في الحالين ، وفضل حفظه لها بنفسه في السفر ، والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا صحيح متى ما لم يجد حاكما ولا ثقة يستودعها إياه فدفنها في الأرض فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون الموضع المدفونة فيه سابلا لا تحجير عليه يمنع من الوصول ، فدفنها في مثله عدوان يوجب الضمان ، سواء أعلم بها أحدا أو لم يعلمه ، لأن ما تصل إليه الأيدي معرض للتلف .
والضرب الثاني : أن يكون الموضع حصيا حريزا كالمنازل المسكونة التي لا تصل اليد إليها إلا من أراد ، فلا يخلو حاله من أحد أمرين : إما أن يعلم بها أحدا أو لا يعلم بها