الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص357
فلو قال لمالكها : لست أدفعها إليك إلا أن تشهد على نفسك بقبضها ، ففي وجوب الإشهاد عليه ثلاثة أوجه : أحدها : لا يجب ، لأن قوله في الرد مقبول ، فعلى هذا يكون المنع منها لأجل الإشهاد متعديا ، وهذا أصح الوجوه .
والوجه الثاني : أن إشهاد المالك على نفسه واجب ، لأن يتوجه على المستودع يمين أن نوزع في الرد ، فعلى هذا لا يكون بالمنع منها لأجل الإشهاد متعديا .
والوجه الثالث : أن ينظر ، فإن كان المالك قد أشهد على المستودع عند دفعها إليه لزمه الإشهاد على نفسه عند ردها عليه ، وإن لم يشهد عند الدفع لم يلزمه الإشهاد على نفسه عند الرد ، وإن لم يردها على مالكها مع حضوره فلا يخلو حاله فيها من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يسافر بها معه .
والثاني : أن يدفعها إلى غيره .
والثالث : أن يخلفها في حرزه .
فإن سافر بها ضمن ، سواء كان سفره مأمونا أو غير مأمون .
وقال أبو حنيفة : لا ضمان عليه إذا كان سفره مأمونا ، استدلالا بأن الذي عليه في الوديعة حفظها ، فإذا حفظها في أي مكان كان من حضر أو سفر كان مؤديا لحق الأمانة فيها ، قال : ولأنه لما جاز أن يحفظها في أي موضع شاء من البلد إذا كان مأمونا كان له [ ذلك في غير البلد إذا كان مأمونا ] .
والدليل على تعديه إذا سافر بها قول النبي ( ص ) : ‘ إن المسافر وماله على قلت إلا ما وقى الله ‘ يعني على خطر ، وروي عنه ( ص ) أنه قال : ‘ السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ورقاده ‘ ولأن السفر مخوف في الغالب ، وأمنه نادر لا يوثق به ، ولذلك يمنع السيد مكاتبه من السفر ، ويمنع ولي اليتيم من السفر بماله ، ولأن في السفر بالوديعة مع التغرير بها إحالة بينها وبين مالكها بإبعادها عنه ، وهذا عدوان ، ولأن العرف في حفظ الودائع وإحرازها جاز في الأمصار دون الأسفار ، فكان الخروج عن العرف فيها عدوانا ، وليس بما استدل به من أن المقصود هو الحفظ وجه : لأنه يلزمه مع الحفظ أن لا يخاطر بها ولا يغرر ، وهو بالسفر مغرر ومخاطر .