پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص356

السلام – لردها على أهلها ، ولأن بالناس إلى التعاون بها حاجة ماسة وضرورة داعية لعوارض الزمان المانعة من القيام على الأموال ، فلو تمانع الناس فيها لاستضروا وتقاطعوا .

فصل :

فإذا ثبت أن ذلك من التعاون المأمور به لم يخل حال من استودع وديعة من ثلاث أحوال :

أحدها : أن يكون ممن يعجز عنها ، ولا يثق بأمانته نفسه فيها ، فهذا لا يجوز له أن يقبلها .

والحال الثانية : أن يكون أمينا عليها قادرا على القيام بها وليس غيره ممن يقوم بها فهذا ممن قد تعين عليه قبولها ، ولزمه استيداعها ، كما تعين الشهادة على الشاهد إذا لم يوجد من يتحملها سواه ، وكما يلزم الإنسان خلاص نفس يقدر على إحيائها إذا لم يوجد غيره ، لأن حرمة المال كحرمة النفس .

والحال الثالثة : أن يكون أمينا عليها ، وقادرا على حفظها ، وقد يوجد غيره من الأمناء عليها ، فهذا مندوب إليه ، وإن لم تجب عليه .

فصل :

فإذا قبل الوديعة كان قبولها من العقود الجائزة له المقام عليها والرجوع فيها ، وليس عليه إذا قبلها معرفة ما فيها ، بل يجوز أن يستودعها وهو لا يعلم ما فيها ، بخلاف اللقطة التي يلزمه معرفتها لما يلزمه من تعريفها ، ثم عليه القيام بحفظها في حرز مثلها ، فإن فرط كان ضامنا وإن لم يفرط فلا ضمان عليه ، وحكي عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه أن المستودع إن اتهم في الوديعة ضمنها ، استدلالا بما روي أن رجلا أودع عند أنس بن مالك ستة آلاف درهم ، فسرقت من بين ماله ، فتخاصما إلى عمر فقال : هل أخذ معها من ثيابك شيء ؟ قال : لا ، قال : عليك الغرامة ، فروي أن أنس بن مالك قال لابن سيرين وقد حمل معه رجل متاعا إلى البصرة : يا أنس ، احفظه كيلا تغرمه كما غرمني عمر ، وهذا قول شاذ واضح الفساد ، لرواية المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ ليس على المستودع ضمان ‘ وروي أن رجلا أودع عند جابر وديعة ، فتلفت ، فتحاكما إلى أبي بكر ، فقال : ليس على المؤتمن ضمان ، وهو قول منتشر في الصحابة لا يعرف بينهم فيه تنازع ، ولأن تضمين الوديعة يخرج عن حكم التعاون وعقود الإرفاق ، فأما أنس فإنما ضمنه عمر لتفريطه ، فقد قيل : إنه دفعها إلى خادمه ، وإلا فقد حرم الله تعالى صحابة نبيه ( ص ) عن أن تتوجه إليهم تهمة .

فصل :

فإذا تقرر ما وصفنا ، فصورة مسألة الكتاب في رجل استودع وديعة فأراد سفرا ، فالوديعة لا تحبسه عن السفر ، لأن النبي ( ص ) لم يمتنع عن الهجرة لأجل ما كان عنده من الودائع ، ولأن استدامة الوديعة غير لازم ، وردها على مالكها متى شاء المستودع جائز ، وإذا كان ذلك فعليه إذا أراد سفرا ومالكها حاضر أن يردها عليه .