پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص325

المروزي ، وطائفة كبيرة يجمعون بين الجوابين في المسائل الثلاث ، ويخرجونها على قولين :

أحدهما : أن يكون مخوفا ، الحال في المسائل الثلاث لقوله تعالى : ( ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ) [ آل عمران : 143 ] . فجعل خوف القتل كخوف المرض في رؤية الموت فيهما فدل على استوائهما ولأن نفس المريض أسكن من هؤلاء لما يرجو من صلاح الدواء فكان ذلك بالخوف أحق .

والقول الثاني : أنه لا يكون مخوف الحال في هذه المسائل الثلاث ، لأن خوف المرض حال في جسمه ، ومماس لجسده ، فصار حكمه فيه مستقرا وليست حاله في هذه المسائل الثلاث كذلك لأنه يخاف من قرب أجله بحلول ما يحدث في جسده ويناله في يده وذلك غير حال ولا مستقر ، وإنما هو بمنزلة الشيخ الهرم الذي هو لعلو السن منتظر الموت في يوم بعد يوم وعطاياه من رأس ماله فكذلك هؤلاء .

وقال آخرون من أصحابنا : بل جواب الشافعي على ظاهره في المسائل الثلاث فيكون الأسر ، والتحام القتال خوفا ، ولا يكون التقديم للقصاص خوفا .

والفرق بينهما أن المشركين يرون قتل الأسرى دينا ونحلة فالعفو منهم غير موجود وليس كذلك ولي القصاص ، لأن ما وصف الله تعالى به المسلمين من الرأفة والرحمة وندبهم إليه من الأخذ بالعفو هو الأغلب من أحوالهم والأشبه بأحوالهم فكان ذلك فرقا بين الفريقين .

وقال ابن سريج : المسائل الثلاث كلها على سواء في اعتبار ما يدل عليه الحال وتشهد به الصورة من أن ينظر : فإن كان ولي القصاص قاسيا جنفا فالأغلب من حاله التشفي ، وأنه ممن لا يمن ولا يعفو فتكون حال المقتص منه مخوفة كالأسير إذا كان في يد من لا يعفو عن أسير .

وإن كان ولي القصاص رحيما ومن الخنق والقوة بعيدا فالأغلب من حاله العفو ، وأن يمن عن قدرة ، فتكون حال المقتص منه غير مخوفة ، كالأسير إذا كان في يد من يعفو عن الأسرى .

فصل :

فإذا تقرر ما وصفنا فالأمور المخوفة ضربان :

أحدهما : ما دخل في الحسن وماس البدن كالأمراض فهي مخوفة إذا كان عليها التوحية .

والضرب الثاني : ما فارق الجسم واختص بحاله كالأسير والملتحم في القتال . فإن تردت حاله بين خوف ورجاء فغير مخوف ، وإن كان الخوف أغلب على ما ذكرنا من القولين فمن ذلك أن يقترضه الأسد فلا يجد محيصا ، فإن كانوا جماعة لم تكن حالهم مخوفة لأن الأسد لا يفترس في الحال إلا أحدهم ، فلم يكن الأغلب من حال كل واحد التلف ، وإن جاز أن يكون الهالك .