الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص320
وقال طاوس : العتق وغيره من رأس المال استدلالا بعموم قوله تعالى : ( وافعلوا الخير ) [ الحج : 77 ] . ولأنه لما كان ما أنفقه من ماله في ملاذه وشهواته من رأس ماله . كان ما يتقرب به من عتقه وهباته ومحاباته أولى أن تكون من رأس ماله .
والدليل على فساد هذا القول قوله تعالى : ( ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ) [ آل عمران : 143 ] . يعني به خوف القتل وأسباب التلف وسماه باسمه لقربه منه ، واتصال حكمه بحكمه ، وقال تعالى : ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ) [ البقرة : 180 ] .
يعني بحضور الموت ظهور دلائله ووجود أسبابه .
ولأن النبي ( ص ) قال : ‘ إن الله تعالى أعطاكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم ‘ .
فأما استدلاله بنفقات ملذاته ، وشهواته ، فالجواب عنه : أن ما اختص به المريض من مصالحه ، هو أحق به من ورثته ، وما عاد إلى غيره من هبته ومحاباته ، فورثته أحق به . فلذلك أمضت نفقاته من رأس ماله لتعلقها بمصالحه في حال حياته ، وجعلت هباته من ثلثه لتعلقها بمصلحة غير ثم بنفسه بعد مماته . فلم يكن له إلا ما جعلت له الشريعة والله أعلم بالصواب .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن عطايا المرض المخوف من الثلث كالوصايا ، وإن تقدمت عليها فالمرض المخوف ، هو الذي لا تتطاوله بصاحبه معه الحياة .
وقال أهل العراق : المخوف هو من المضني ، المضعف عن الحركة الذي يصير به الإنسان صاحب فراش ، وإن تطاول به أجله ، وهذا خطأ عندنا لأن ما تطاول بالإنسان فهو مهلته ، وبقية أجله ، لأن الموت طارئ على كل حي وإن صح ، وإنما يختلف حاله فيما تعجل به الموت وجاء .
وقد قال تعالى : ( إذا حضر أحدكم الموت ) [ البقرة : 180 ] . والحاضر ما كان قريبا منه لا ما بعد . وقال النبي ( ص ) : ‘ إن الله تعالى أعطاكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم ‘ .