الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص266
‘ إذا أوصى الرجل بمائة دينار له حاضرة ، وترك غيرها ألف دينار دينا غائبة : فالورثة بالخيار بين إمضاء الوصية بالمائة كلها عاجلا سواء أمضى الدين وسلم الغائب أم لا ، وبين أن يسلموا ثلث المائة الحاضرة ، وثلث الدين من المال الغائب ، ويصير الموصى له بالمائة شريكا بالثلث في كل التركة وإن كثرت ، وسمي ذلك خلع الثلث ، واستدلالا بأن للموصى له ثلث ماله ، فإذا غير الوصية في بعضه . فقد أدخل الضرر عليهم بتعيينه فصار لهم الخيار بين التزام الضرر بالتعيين ، وبين العدول إلى ما كان يستحقه الموصي فهذا دليل مالك وما عليه في هذا القول .
واستدل إسماعيل بن إسحاق بأن تعيين الموصي للمائة الحاضرة من جملة التركة الغائبة ، بمنزلة القبول للجاني إذا تعلقت الجناية في رقبته فسيده بالخيار بين أن يفديه بأرش جنايته أو تسليمه .
فهذا مذهب مالك ، ودليلاه .
ومذهب الشافعي : أن الموصى له ثلث المائة الحاضرة ، وثلثاها الباقي موقوف على قبض الدين ووصول الغائب ، لا يتصرف فيه الوارث ، ولا الموصى له ، وإذا قبض الدين ووصل من الغائب ما يخرج المائة كلها من ثلثه ، أمضيت الوصية بجميع المائة .
وإن وصل ما يخرج بعضها : أمضى قدر ما احتمله الثلث منها . فإن برئ الدين وقدم الغائب : استقرت الوصية في ثلث المائة الحاضرة ، وتصرف الورثة في ثلثينها ، لأنها صارت جميع التركة .
واختلف أصحابنا إذا انتظر بالوصية قبض الدين ، ووصول الغائب ، هل يمكن الموصى له من التصرف في ثلث المائة على وجهين :
أحدهما : يمكن من التصرف فيها لأنه ثلث محض .
والوجه الثاني : يمنع من التصرف فيها لأنه لا يجوز أن يتصرف الموصى له فيما لا يتصرف الورثة في مثليه ، وقد منع الورثة من التصرف في ثلث المائة الموقوف ، فوجب أن يمنع الموصى له من التصرف في الثلث الممضي .
والدليل على فساد ما ذهب إليه مالك :
أنه يأول إلى أحد أمرين بمنع الوصية منها لأنه إذا خير الورثة بين التزام الوصية في ثلث كل التركة أو إمضاء الوصية في كل المائة .
فكل واحد من الأمرين خارج عن حكم الوصية ، لأنهم إذا اختاروا منعه من كل المائة ، فقد ألزمهم ثلث كل التركة ، وذلك غير موصى له .