الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص191
أجازه ، وكان الموصى له في الباقي منها وارثا مع من رده . ثم هل تكون إجازتهم على هذا القول ابتداء عطية منهم ، أو إمضاء على قولين .
وعلى كلا القولين لا تفتقر إلى بذل وقبول بخلاف القول الأول .
أحدهما : وهو مذهب مالك أنها جائزة وإن لم يرث ، كما تجوز الوصية للكافر وإن لم يرث ، ولأنه تمليك يراعى فيه القبول ، فلم يمنع منه القتل كالبيع .
وأما القول الثاني : وبه قال أبو حنيفة الوصية باطلة لعموم قوله ( ص ) : ‘ ليس للقاتل وصية ‘ ولأنه مال يملك بالموت ، فاقتضى أن يمنع منه القاتل كالميراث ، على أن الميراث أقوى التمليكات ، فلما منع منه القتل كان أولى أن يمنع من الوصية .
فإذا تقرر هذان القولان ، فلا فرق أن يوصي به بعد جرحه إياه وجنايته عليه ، وبين أن يوصي له قبل الجناية ثم يجني عليه فيقتله في أن الوصية على قولين .
ولكن لو قال الموصي ، وليس بمجروح ، قد وصيت بثلث مالي لم يقتلني فقتله رجل : لم تصح الوصية قولا واحدا لأمرين :
أحدهما : لأنها وصية عقد على معصية .
والثاني : أن فيها إغراء بقتله .
فإن وصى بثلثه لقاتل زيد ، فإن كان قبل القتل ، لم يجز لما ذكرنا وإن كان بعد قتله : جاز ، وكان القتل تعريفا . وهكذا لو وهب في مرضه لقاتله هبة أو حاباه في بيع أو أبرأه من حق فكل ذلك على قولين لأنها وصية له تعتبر من الثلث . وهكذا : لو أعتق في مرضه عبدا فقتل العبد سيده ، كان له في عتقه قولان ، لأن عتقه وصية له .
ولكن لو وهب هبة في صحته أو أبرأ من حق ، أو حابى في بيع ، أو أعتق عبدا ثم إن الموهوب له قتل الواهب ، والمبرأ قتل المشتري ، والمحابا قتل المحابي ، والعبد المعتق قتل سيده ، كان ذلك كله نافذا ماضيا ، لأن فعله في الصحة يمنع من إجرائه مجرى الوصية .
ولو جرح رجل رجلا ثم إن المجروح وصى للجارح بوصية ثم أجهز على الموصي أخر فذبحه جازت الوصية للجارح الأول ، لأن الذابح الثاني صار قاتلا ولو لم يكن الثاني قد ذبحه ولكن لو جرحه صار الثاني والأول قاتلين ، فرد الوصية للأول على أحد القولين .
وإذا قتل المدبر سيده ، فإن قيل إن التدبير وصية ، ففي بطلان عتقه قولان لأنه يعتق من الثلث .
ولو قتلت أم الولد سيدها بعد عتقها قولا واحدا لأمرين :
أحدهما : أن عتقها مستحق من رأس المال .