الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص190
‘ سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن غلام يبلغ من غسان أوصى لبنت عمه وله عشر سنين ، وله وارث ببلد آخر ، فأجاز عمر رضي الله عنه وصيته ، ولأن المعنى الذي لأجله منعت عقوده هو المعنى الذي لأجله أمضيت وصيته لأن الحظ له في منع العقود ، لأنه لا يتعجل بها نفعا ، ولا يقدر على استدراكها إذا بلغ . والحظ له في إمضاء الوصية لأنه إن مات فله ثوابها وذلك أحظ له من تركه على ورثته . وإن عاش وبلغ ، وقدر على استدراكها بالرجوع فيها فعلى هذا : لو أعتق في مرضه ، أو حابى ، أو وهب ، ففي صحة ذلك وجهان :
أحدهما : أنه صحيح ممضي ، لأن ذلك وصية تعتبر في الثلث .
والوجه الثاني : أنه باطل مردود ، لأن الوصية يقدر على الرجوع فيها إن صح ، والعتق والهبة لا يقدر على الرجوع فيهما إن صح .
فأما وصية المحجور عليه بسفه ، فإن قيل بجواز وصية الصبي ، فوصية السفيه أجوز ، وإن قبل ببطلان وصية الصبي ، كانت وصية السفيه على وجهين ، لاختلافهم في تعليل وصية الصبي ، فإن علل في إبطال وصيته بارتفاع القلم عنه جازت وصية السفيه لجريان القلم عليه ، وإن علل في إبطال وصية الصبي بإبطال عقوده ، بطلت وصية السفيه لبطلان عقوده .
وأما المحجور عليه بالفلس ، فإن ردها الغرماء بطلت . وإن أمضوها جازت فإن قلنا إن حجر الفلس كحجر المرض صحت . وإن قلنا إنه كحجر السفيه كانت على وجهين :
وأما العبد فوصيته باطلة . وكذلك المدبر ، وأم الولد ، والمكاتب ، لأن السيد أملك منهم لما في أيديهم .
فأما الكافر : فوصيته جائزة ، ذميا كان أو حربيا ، إذا وصى بمثل ما وصى به المسلم .
فأما الفصل الثاني : في الموصى له .
فتجوز الوصية لكل من جاز الوقف عليه ، من صغير وكبير ، وعاقل ومجنون ، وموجود ومعدوم ، إذا لم يكن وارثا ، ولا قاتلا .
فأما الوارث فلقوله عليه السلام : ‘ لا وصية لوارث ‘ ولو وصى لأحد ورثته ، كان في الوصية قولان أحدهما : باطلة إذ رسول الله ( ص ) نهى إلا أن يستأنفه الورثة الباقون هبتها له بعد إحاطة علمهم بما يبذل منهم ، وقبول منه ، وقبض تلتزم به الهبة ، كسائر الهبات ، فتكون هبة محضة لا تجري فيها حكم الوصية . وهذا قول المزني .
والثاني : أنها موقوفة على إجازة الباقين من الورثة ، كالوصية بما زاد على الثلث ، فإن أجازها الباقون من الورثة : صحت ، وإن ردوها رجعت ميراثا ، وكان الموصى له به كأحدهم ، يأخذ فرضه منها ، وإن أجازها بعضهم وردها بعضهم صحت الوصية في حصة من