الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص189
وروى أبو زرعة عن أبي هريرة قال : قال رجل للنبي ( ص ) يا رسول الله أي الصدقة أفضل ؟ قال : أن تتصدق وأنت صحيح حريص ، تأمل الغنى وتخشى الفقر ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت لفلان كذا ، ولفلان كذا ، وقد كان لفلان ‘ .
فلما جعل الصدقة في حال الصحة أفضل منها عند الموت ثم لم تكن في حال الصحة واجبة ، فأولى أن لا تكون عند الموت واجبة .
وروى ابن أبي ذؤيب عن شرحبيل عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) قال : ‘ لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم ، خير له من أن يتصدق بمائة عند موته ‘ ولأن الوصية لو وجبت ، لا جبر عليها ، ولأخذت من ماله إن امتنع منها ، كالديون والزكوات ولأن الوصايا عطايا فأشبهت الهبات .
فأما الآية : فمنع الوالدين من الوصية مع تقديم ذكرها فيها ، دليل على نسخها .
وأما قوله ( ص ) : ‘ من مات من غير وصية مات ميتة جاهلية ‘ فمحمول على أحد أمرين .
وأما على من كانت عليه ديون حقوق لا يوصل إلى أربابها إلا بالوصية . فتصير الوصية ذكرها وأدائها واجبة .
وأما قوله ( ص ) : ‘ ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ‘ فهذا خارج منه مخرج الاحتياط ، ومعناه : ما الحزم لامرئ . على أن نافعا قال لابن عمر بعد أن روى هذا الحديث حين حضره الموت : هلا أوصيت ؟ قال : أما مالي ، فالله أعلم ما كنت أفعل فيه في حياتي ، وأما رباعي وذوري ، فما أحب أن يشارك ولدي فيها أحد . فلو علم وجوب الوصية لما رواه ولما تركها .
وهي : موصي ، وموصى له ، وموصى به ، وموصى إليه .
فأما الفصل الأول : وهو الموصي فمن شرطه أن يكون مميزا ، حرا ، فإذا اجتمع فيه هذان الشرطان صحت وصيته في ماله مسلما كان أو كافرا .
فأما المجنون : فلا تصح وصيته لأنه غير مميز ، وأما الصبي فإن كان طفلا غير مميز فوصيته باطلة . وإن كان مراهقا : ففي جواز وصيته قولان : أحدهما : لا يجوز . وبه قال أبو حنيفة واختاره المزني لارتفاع القلم عنه كالمجنون ولأن الوصية عقد فأشبهت سائر العقود .
والقول الثاني : وبه قال مالك أن وصيته جائز لرواية عمرو بن سليم الزريقي قال :