الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص188
هلك وأوصى لك بثلث ماله ، فقبله ، ورده على ورثته . وقيل إنه كان أول من أوصى بالثلث ، وأول من وصى بأن يدفن إلى القبلة ثم صارا جميعا سنة متبوعة .
والوصية على ثلاثة أقسام : قسم لا يجوز ، وقسم يجوز ولا يجب ، وقسم مختلف في وجوبها .
فأما الذي لا يجوز : فالوصية للوارث .
وروى شرحبيل بن مسلم قال : سمعت أبا أمامة قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : ‘ إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث ‘ .
وأما التي تجوز ولا تجب ، فالوصية للأجانب ، وهذا مجمع عليه ، فقد أوصى البراء بن معرور للنبي ( ص ) بثلث ماله فقبله ثم رده على ورثته .
وأما التي اختلف فيها : فالوصية للأقارب .
ذهب أهل الظاهر مع من قدمنا ذكره في تفسير الآية إلى وجوبها للأقارب ، تعلقا بظاهر قوله تعالى : ( الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) [ البقرة : 180 ] . وبما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ من مات من غير وصية ، مات ميتة جاهلية ‘ .
وبقوله ( ص ) : ‘ ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلى ووصيته عنده مكتوبة ‘ .
والدليل على أنها غير واجبة للأقارب والأجانب ، ما روى ابن عباس وعائشة ، وابن أبي ليلى رضي الله عنهم أن النبي ( ص ) لم يوص .
وروى الشافعي عن سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال : ‘ مرضت عام الفتح مرضا أشرفت منه على الموت ، فأتاني رسول الله ( ص ) يعودني ، فقلت يا رسول الله : إن لي مالا كثيرا ، وليس يرثني إلا ابني ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا ، قلت : فبالشطر . قال : لا ، قلت : فالثلث ؟ قال : الثلث . والثلث كثير . إنك إن تدع ورثتك أغنياء خيرا من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ‘ .
فاقتصر به النبي ( ص ) في الوصية على ما جعله خارجا مخرج الجواز ، لا مخرج الإيجاب . ثم بين أن غنى الورثة بعده أولى من فقرهم .