الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص185
إن الله تعالى قدر لخلقه آجالا وبسط لهم فيها آمالا ثم أخفى عليهم حلول آجالهم وحذرهم غرور أمالهم ، فحقيق على الإنسان أن يكون مباهيا للوصية حذرا من حلول المنية .
قال الله تعالى : ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) [ البقرة : 180 ] . ( فمن بدله بعدما سمعه ) [ البقرة : 181 ] . إلى قوله تعالى : ( غفور رحيم ) [ البقرة : 182 ] .
أما قوله تعالى : ( كتب عليكم ) . فيعني : فرض عليكم . وقوله : ‘ إذا حضر أحدكم الموت : يعني أسباب الموت ‘ .
إن ترك خيرا : يعني مالا . قال مجاهد : الخير في القرآن كله المال : ( وإنه لحب الخير الشديد ) [ العاديات : 8 ] . المال فقال ( إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي ) [ ص : 32 ] المال . ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) [ النور : 33 ] المال .
وقال شعيب : ( إني أراكم بخير ) [ هود : 84 ] . يعني الغنى . وقال الشافعي : الخير كلمة تعرف ما أريد بها المخاطبة .
قال الله تعالى : ( أولئك هم خير البرية ) [ البينة : 7 ] . فقلنا : إنهم خير البرية بالإيمان والأعمال الصالحة ، لا بالمال . وقال تعالى : ( أولئك هم خير ) فقلنا إن الخير المنفعة بالأجر وقال : ( إن ترك خيرا الوصية ) [ البقرة : 180 ] . فقلنا إنه إن ترك مالا ، لأن المال هو المتروك . ثم قال ( الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ) وفي الأقربين في هذا الموضع ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم الأولاد الذين لا يسقطون في الميراث ، دون غيرهم من الأقارب الذين يسقطون .
والثاني : أنهم الورثة من الأقارب كلهم .
والثالث : أنهم كل الأقارب من وارث وغير وارث . فدل ذلك على وجوب الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف .
واختلفوا في ثبوت حكمها فقال بعضهم : كان حكمها ثابتا في الوصية للوالدين والأقربين حقا واجبا ، وفرضا لازما ، فلما نزلت آية المواريث نسخ منها الوصية للوالدين وكل