پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص124

الجد فأعطاه الثلث فقال من كان معه من الورثة ؟ قال : لا أدري قال : لا دريت ؟ ثم دعا زيد بن ثابت فقال إنه كان من رأيي ورأي أبي بكر قبلي أن أجعل الجد أولى من الأخ فماذا ترى ؟ فقال يا أمير المؤمنين لا يجعل شجرة خرج منها غصن ثم خرج من الغصن غصنان فيم تجعل الجد أولى من الأخ وهما خرجا من الغصن الذي خرج منه الجد ؟ ثم دعا علي بن أبي طالب وقال : له مثل مقالته لزيد فقال علي يا أمير المؤمنين لا تجعل واد سال فانشعبت منه شعبة ثم انشعبت من الشعبة شعبتان فلو رجع ماء إحدى الشعبتين دخل في الشعبتين جميعا فيم تجعل الجد أولى من الأخ ؟ فقال عمر : لولا رأيكما أجمع ما رأيت أن يكون ابني ولا أن أكون أباه .

قال الشعبي : فجعل الجد أخا مع الأخوين ومع الأخ والأخت فإذا كثروا ترك مقاسمتهم وأخذ الثلث ، وكان عمر رضي الله عنه أول جد ورث مع الإخوة في الإسلام ، فهذه القصة وإن طال الاحتجاج بها تجمع خبرا ، واحتجاجا ، ومثلا ، فلذلك استوفيناها .

فأما الجواب عن استدلالهم بأن الله تعالى سمى الجد أبا فهو أن اسم الأب انطلق عليه توسعا ألا ترى أن تسميته بالجد أخص من تسميته بالأب ، ولو قال قائل هذا جد وليس بأب لم يكن مضلا ، والأحكام تتعلق بحقائق الأسماء دون مجازها ، ولا يتعلق عليه حكم الأب ، وكما تسمى الجدة أما ولا ينطلق عليها أحكام الأم .

وأما استدلالهم بأن طرفه الأدنى يستوي حكم أوله وآخره فكذلك طرفه الأعلى فالجواب عنه : أن ابن الابن لما كان كالابن في الحجب الأم كان كالابن في حجب الإخوة ، ولما كان الجد مخالفا للأب في حجب الأم إلى ثلث الباقي كان مخالفا للأب في حجب الإخوة فيكون الفرق بين الطرفين في حجب الأم هو الفرق بينهما في حجب الإخوة ، وأما قياسهم على الابن بعلة أنه عصبة لا يعقل .

فالجواب عنه أن استحقاق العقل دل على قوة التعصيب فلم يجز أن يجعل دليلا على ضعفه ، ألا ترى أن أقرب العصبات اختص بتحمل العقل من الأباعد ، لقوة تعصيبهم وضعف الأباعد ، وليس خروج الأباء والأبناء عن العقل عنه لمعنى يعود إلى التعصيب فيجعل دليلا على القوة كما لا يجوز أن يجعل دليلا على الضعف وذلك لأجل التعصيب ثم المعني في الابن أنه لما كان أقوى من الأب أسقط الإخوة المدلين بالأب فلما لم يكن الجد أقوى من الأب لم يسقط الإخوة المدلين بالأب .

وأما الجواب عن استدلالهم بأن الجد قد جمع الولادة والتعصيب كالأب فهو أن الأب إنما أسقطهم لإدلائهم به لا لرحمه وعصبته ألا ترى أن الابن وإن انفرد بالتعصيب وحده أقوى من الأب والجد ، وهكذا الجواب عن قولهم يجمع تعصيبا ورحما .

وأما الجواب عن استدلالهم بأن إدلاء الجد بابن وإدلاء الأخ بأب فهو ما قدمناه دليلا من أن إدلاء الأخ بالبنوة وإدلاء الجد بالأبوة لإدلائهما جميعا بالأب فكان إدلاء الأخ أقوى .