الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص44
على ما مضى من القولين وإن أجرينا عليه حكم الشرك لم يجز أن ينفق عليه من بيت المال إذا كان فقيرا لأن ما في بيت المال مصروف في مصالح المسلمين دون المشركين فإن تطوع أحد المسلمين أو من أهل الذمة بالنفقة عليه كان محسنا لأنها نفس لها حرمة وإن لم يتطوع أحد بالنفقة عليه جمع الإمام أهل الذمة الذين كان المنبوذ بين أظهرهم وجعل نفقته مقسطة عليهم ليكون دينا لهم إذا ظهر أمره فإن ظهر له أب رجعوا بالنفقة عليه وإن ظهر له سيد رجعوا بها عليه وإن لم يظهر ذلك كانت دينا عليه يرجعون بها في كسبه إذا بلغ .
قال الماوردي : اعلم أن من يجرى عليه حكم الإسلام قبل بلوغه على أربعة أقسام :
أحدها : من يجري حكم الإسلام عليه بإسلام أبويه فيصير بإسلامهما مسلما . وروى أبو اليزيد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي ( ص ) قال : ‘ كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه كما تناقح الإبل من بهيمة جمعاء هل تحسون من جدعاء قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين ‘ فمعنى قوله : ‘ يولد على الفطرة ‘ يريد على الإقرار بأن الله خالقه لأن جميع الناس على اختلاف أديانهم يعلمون أن الله خالقهم ثم يهود اليهود أبناءهم وينصر النصارى أبناءهم أي يعلمونهم ذلك وضرب لهم مثلا بالإبل إذا نتجت من بهيمة جمعاء والجمعاء هي السليمة وإنما سميت بذلك لاجتماع السلامة لها في أعضائها فتجدع أنوف نتاجها وتفقأ عيونها فأما إذا أسلم أحد الأبوين فإن كان الأب منهما هو المسلم كان ذلك إسلاما له وإن أسلمت الأم فمذهب الشافعي وأبي حنيفة أن إسلامها إسلام له كالأب وقال مالك : لا يكون إسلام الأم إسلاما له وهذا خطأ لقول النبي ( ص ) : ‘ الإسلام يعلو لا يعلا ‘ ولقوله ( ص ) : ‘ فأبواه يهودانه وينصرانه ‘ فجعل اجتماعهما موجبا لتهوده دون انفرادهما ولأنها لو أسلمت وهي حامل كان ذلك إسلاما لحملها إذا وضعت كذلك إذا أسلمت بعد الوضع ولأنها أحد الوالدين فصار الطفل بها مسلما كالأب فأما استدلاله بالحرية فقد يعتبر بالأب كما يعتبر بالأم ألا ترى أنه لو ولد منه كان الولد حرا فإذا ثبت أن إسلام أحد الأبوين يكون إسلاما لغير البالغ من أولادهما فكذلك يكون إسلاما لمن بلغ منهم مجنونا لأن المجنون تبع لغيره فأما البالغ العاقل فلا يكون إسلام الأبوين أو أحدهما إسلاما له لأن الإسلام يصح منه وأما إذا بلغ الكافر عاقلا ثم جن فهل يكون إسلام أبويه إسلاما له أم لا على وجهين .