الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص40
فيه رأيه فهذا حكم ما ذهب إليه الشافعي من الإقراع بينهما عند التنازع وسواء كان من خرج بالقرعة أنفع له إذا لم يكن الذي خرج قرعته مقصرا أو كانا سواء ، وقال أبو علي بن خيران لا قرعة بينهما عند التنازع ولكن يجتهد الحاكم فيهما رأيه فأيهما رآه أحظ له كان أولى بكفالته ولهذا القول وجه وإن خالف نص الشافعي غير أن تساويهما يمنع من تغليب أحدهما إلا بالقرعة كالبينتين إذا تعارضتا .
أحدهما : أن يسلمه قبل استقراره يده عليه فهذا يجوز لأن المسلم له بمثابة من رآه ولم يلتقطه ويصير المستلم أولى وكأنه التقطه وحده .
والضرب الثاني : أن تستقر أيديهما جميعا عليه حتى يصير الملقوط معهما ثم يتسلمه أحدهما ففيه وجهان :
أحدهما : يجوز لأن الحق لهما وليس يتجاوزهما كالشقيقين إذا سلم أحدهما لصاحبه .
والوجه الثاني : لا يجوز لأن للملتقط حق الكفالة وليس له حق التسليم كما لو كان هو الواجد وحده لم يكن له تسليمه إلى غيره حتى يتولى الحاكم .
قال الماوردي : إذا وجد اللقيط في المصر رجلان أحدهما من أهل المصر والآخر من أهل مصر آخر وهو غريب في هذا المصر فالواجد له من أهل مصره أحق بكفالته من الغريب الذي ليس من أهله لأن قيامه في البلد الذي وجد فيه أشهر لحاله وأقرب إلى ظهور نسبه ولكن لو انفرد الغريب بالتقاطه وأراد إخراجه من البلد الذي وجد فيه إلى بلده فإن كان غير أمين أو كان الطريق غير مأمون فلا حق له في كفالته وإن كان أمينا والطريق مأمون فعلى ثلاثة أقسام : أحدها : أن يكون بلده قريبا على أقل من يوم وليلة فهو مستحق لكفالته إذا تساوى البلدان أو كان بلد الملتقط أصلح فأما إن كان بلد اللقيط مصر وبلد الملتقط قرية ففيه وجهان : أحدهما : لا حق له في كفالته لأن المصر أنفع له من القرية لما فيه من كثرة العلوم والآداب ووفور الصنائع والاكتساب . والوجه الثاني : يستحق كفالته وإخراجه إلى قريته لأن القرية ربما كانت أعف وكان أهلها أسلم ومعايشهم أطيب ولأن حاله في القرية أيسر منها في المصر الكبير لقلة من فيها وكثرة من في المصر وقلما يمكن أن يشعر في القرى بفاحشة تخفى وريبة تكتم .