الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص521
والثاني : أن الوقف جائز تعليلاً بأن الجهة مخصوصة معروفة ويدفع إلى من أمكن منهم كالفقراء والمساكين ، وهذا حكم الشرط الأول وما يتفرع عليه .
قيل له : ليس كذلك فإن العارية يرجع فيها وهذه لا رجعة فيها ، أو هذا خطأ لقوله ( ص ) ‘ حبس الأصل وسبل الثمرة ‘ وهذا أصل غير محبس ولأنه لو جاز أن يكون وقف إلى مدة لجاز أن يكون عتق إلى مدة ، ولأنه لو جرى مجرى الهبات فليس في الهبات رجوع وإن جرى مجرى الوصايا والصدقات فليس فيها . لزوال الملك رجوع ، ولهذا فرقنا بين أن يقف بعض ماله فيجوز ، وبين أن يقف في بعض الزمان فلا يجوز ، لأنه ليس في وقف بعض ماله رجوع في الوقف ، وفي وقفه في بعض الزمان رجوع في الوقف ، وإذا صح أن الوقف إلى مدة لا يجوز فكذلك الوقف المتقطع وإن لم يتقدر بمدة لا يجوز .
وأما إن وقفه على قراء القرآن لم يكن منقطعاً ، لأنهم باقون ما بقي الإسلام ، وقد تكفل الله تعالى بإظهاره على الدين كله ، وهكذا لو وقفه على المجاهدين في سبيل الله كان وقفاً باقياً إذا لم يكن على ثغر بعينه وإذا لم يجز بما وصفنا أن يكون الوقف مقدراً ولا منقطعاً ففيه قولان إن فعل ذلك .
أحدهما : باطل : لأن حكم الوقف أن يكون مؤبداً ، والمنقطع غير مؤبد فلم يصر وقفاً .
والقول الثاني : أن الوقف جائز ، لأنه إذا كان الأصل موجوداً لم يحتج إلى ذكر من ينتقل إليه كالوصايا والهبات .
فإذا قيل ببطلان الوقف كان ملك الواقف ولا يلزم في الأصل ، ولا في غيره ، وله التصرف فيه كسائر أملاكه .
وإذا قيل : بجواز الوقف كان على الأصل الموجود ما كان باقياً لا حق لواقفه فيه فإذا هلك الأصل وهو أن يموت الوقف فينقطع سبله فلا يخلوا حال الواقف في شرطه الواقفة من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يشترط تحريمها وتأبيدها .