الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص510
الماء إلى جاره فلما أساء جاره الأدب أمره النبي ( ص ) أن يستوفي في حقه فقال : ‘ احبس الماء حتى يبلغ الجدر ( وهو الحائط ) ‘ .
فإن قيل : ففي الحديث الآخر أنه علق الحق بأن يبلغ الماء إلى الكعبين ، وهذا مخالف لذلك .
قلنا : ليس فيهما خلاف لأن الماء إذا بلغ الكعبين وكانت الأرض مستوية رجع الماء إلى الجدار .
إذا تقرر هذا فإن الأقرب إلى الفرهة يسقى ويحبس الماء عمن دونه فإذا بلغ الماء الكعبين أرسله إلى جاره وهكذا الأقرب فالأقرب يفعل كلما حبس الماء وبلغ في أرضه إلى الكعبين أرسله إلى من يليه حتى يشرب الأراضي كلها فإن كان زرع الأسفل يهلك إلى أن ينتهي الماء إليه لم يجب على من فوقه إرساله إليه فإذا أحيا على هذا النهر الصغير رجل أرضاً مواتاً هي أقرب إلى فرهة النهر من أراضيهم ، فإنهم أحق بمائة فإذا فضل عنهم شيء سقى المحيي منه ولا يقول إن هذا الماء ملك لهم كما إذا جازوه ملكوه ، وإنما هو من مرافق ملكهم فكانوا أحق به من حاجتهم إليه فما فضل منهم كان لمن أحيا على ذلك الماء مواتاً وأما الذي في نهر مملوك فهو أن يحفروا في الموات نهراً صغيراً ليحيوا على مائه أرضاً ، فإذا بدوا بالحفر فقد تحجروا إلى أن يصل الحفر بالنهر الكبير الذي يأخذون الماء منه فإذا وصلوا إليه ملكوه كما إذا حفروا بئراً فوصلوا إلى الماء ملكوه ، وإذا حفروا معدناً من المعادن الباطنة ، وقلنا : يملك في أحد القولين ، فإذا وصلوا إلى النيل ملكوه .
إذا ثبت هذا فإنهم يملكونه على قدر نفقاتهم عليه فإن أنفقوا على السواء كان النهر بينهم بالتسوية وإن تفاضلوا كان ملكهم على قدر ما أنفقوا .
فإذا تقرر هذا فإن الماء إذا جرى فيه لم يملكوه كما إذا جرى الفيض إلى ملك رجل واجتمع لم يملكه ولكن يكون أهل النهر أولى به ، لأن يدهم عليه وليس لأحد أن يزاحمهم فيه ، لأن النهر ملك لهم ولكل واحدٍ منهم أن ينتفع به على قدر الملك لأن الانتفاع به لأجل الملك فإن كان الماء كبيراً يسعهم أن يسقوا من غير قسمة سقوا منه وإن لم يسعهم فإن تهابوا وتراضوا على ذلك جاز لهم ما تراضوا به فإن لم يفعلوا ذلك واختلفوا نصب الحاكم في موضع القسمة خشبة مستوية الظهر محفرة بقدر حقوقهم ، فإن كان لقوم مائة جزيت ولآخر عشرة أجربة كانت الحفر إحدى عشر حفرة متساوية فيكون حفرة منها لساقية من له عشرة أجربة والبواقي لأصحاب المائة جريب وذلك قسمة الماء العادلة . والله الموفق للصواب .