الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص501
فأما بعد قطع العمل فإن قيل قد استقر ملكه عليه مؤبداً لم يجز أن يعمل فيه أحد إلا بإذنه ، ولا أن يجعله الإمام إقطاعاً لغيره ، ويجوز له أن يبيعه ويهبه ، وإن مات ورث عنه كسائر أمواله ، وإن قيل إن ملكه مقدراً بمدة العمل جاز لغيره أن يعمل فيه وهل يفتقر إلى إذن الإمام أم لا ؟ على وجهين مضيا وهل يجوز للإمام إقطاعه أم لا ؟ على ما ذكرناه من القولين ولا يجوز له بعد قطع العمل أن يبيعه ولا أن يهبه وإن مات لم يورث عنه فأما في مدة العمل فلا يجوز له بيعه ولا هبته ، لأن ملكه غير مستقر لكن ترتفع يده بالهبة ولا ترتفع بالبيع ، والفرق بينهما أن رفع يده في البيع كان مشروطاً بعوض لم يحصل له ولم ترتفع يده وليس كذلك الهبة ، ولا يورث عنه بالموت ، ويكون لوارثه إتمام ما شرع فيه من العمل وهو فيما يستأنفه كسائر الناس كلهم ، هل يلزمه استئذان الإمام فيه بعد تقضي مدة الإقطاع بترك العمل أم لا ؟ على وجهين :
أحدها : أن يكون الجاهلي قد تملكه بعمله أو بإحياءه فهذا مغنوم ولا يجوز أن يقطع ، ولا أن يستبيحه الناس ، ويجري عليه حكم ما استقرت عليه أرضهم من صلح أو غيره .
والقسم الثاني : أن يكون الجاهلي لم يتملكه بعمله ولا بإحيائه وإنما استمتع بما فيه وفارقه عفواً فهو في حكم المعادن المباحة إن كان ظاهراً منع من إقطاعه ، وإن كان باطناً فعلى قولين :
أحدهما : أنه في حكم العامر من أموالهم لا يجوز إقطاعه ولا استباحته .
والثاني : أنه في حكم المعادن الإسلامية وفي إقطاعها قولان والله أعلم .
قال الماوردي : اعلم أن الشافعي أراد بهذا الفصل أن جميع ما وصفه من إحياء الموات وإقطاع المعادن وغيرها من الحمى فإنما هو في بلاد الإسلام فقال إنما عنيته في عفو بلاد العرب ، يريد بالعفو الموات الذي هو عفو متروك ، ويريد ببلاد العرب بلاد الإسلام ، لأن بلاد العرب هي دار الإسلام ومنها بدأ وفيها نشأ ثم قال : الذي عامره عشر يعني لا خراج عليه وإنما هي أرض عشر يؤخذ العشر من زرعها ، ولا يؤخذ الخراج من أرضها ، ثم قال : وعفوه مملوك ، وروى الربيع وعفوه غير مملوك ، فاختلف أصحابنا لاختلاف هذه الرواية فكان أبو علي بن أبي هريرة ، وأبو حامد المروزي ، وأبو حامد الإسفراييني ينسبون المزني إلى الخطأ في نقله حين قال : وعفوه مملوك ، لأنه لو كان مملوكاً ما جاز إحياؤه وإن الصحيح ما نقله الربيع وإن عفوه غير مملوك ليملك بالإحياء ، وكان أبو القاسم الصيمري وطائفة يقولون : كلي النقلين صحيح ، والمراد بهما مختلف ، فقول المزني وعفوه مملوك يعني لكافة