الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص499
الإرفاق فهو التمكين من المعدن ليعمل فيه ولا يمنع غيره منه فهذا يصح في المعادن الظاهرة والباطنة جميعاً ، وأما إقطاع التمليك فهو الذي يمنع منه في المعادن الظاهرة ، وفي جوازه في المعادن الباطنة قولان مضياً ، فإذا جوزناه فلا ينتفي للإمام أن يقطع أحدًا منه إلا قدر ما يحتمل أن يعمل فيه ويقدر على القيام به ، فإن كان واحداً أقطعه قدر ما يحتمله الواحد ، وإن كانوا عشرة أقطعهم قدر ما يحتمل العشرة ، فإن اقتطع أحداً ما لا يقدر على العمل فيه ولا يتمكن من القيام به لم يجز ، لما فيه من تفويت منفعته على المقطع وغيره فصار أسوأ حال من الحمى الذي ينتفع به من حماه وأما قوله على أنه إن عطله لم يكن له منع من أخذه فقد اختلف أصحابنا في مراده به فقال بعضهم : أراد به إقطاع الإرفاق دون التمليك ، وقال آخرون : بل أراد به إقطاع التمليك وهو أحد قوليه في أنه يملكه مدة عمله ولا يملكه إذا عطله ، فأما ما ظهر بالعمل قبل التعطيل فقد صار في ملكه وله منع غيره منه ، وقال آخرون : بل أراد به إقطاع التمليك إذا قدره بمدة العمل وشرط فيه زوال الملك عند تعطيل العمل فلا يتأيد ملكه قولاً واحداً والله أعلم .
قال الماوردي : إذا أحيا الرجل أرضاً مواتاً بإقطاع أو غير إقطاع فظهر فيها بعد الإحياء معدن فقد ملكه ملكاً مؤبداً قولاً واحداً ، سواء كان المعدن ظاهراً أو باطناً ؛ لأن المعدن لم يظهر إلا بالإحياء فصار كعين استنبطها أو بئر احتفرها ، ولأن المعدن من أرضه التي ملكها بإحيائه فخالف المعادن التي في غير ملكه ، فإن قيل أليس لو أحيا أرضاً فظهر فيها ركاز لم يملكه فهلا صار المعدن مثله لا يملكه قبل الفرق بينهما أن المعدن خلقه في الأرض فمالكه يملك الأرض ، والركاز مستودع في الأرض فلم يملك وإن ملك الأرض لما بنته لها ، ألا ترى أنه لو اشترى أرضاً فكان فيها حجارة مستودعة لم يملكها ولو كانت الحجارة خلقة فيها ملكها .
قال الماوردي :
أحدها : أنه كالسر الجاهلي والماء العد فلا يمنع أحد يعمل فيه فإذا استبقوا إليه فإن وسعهم غلوا معاً وإن ضاق أقرع بينهم أيهم يبدأ ثم يتبع الآخر فالآخر فالآخر حتى يتساوو فيه .