الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص482
النبي ( ص ) حين أقطع الزبير رقض فرسه من موات البقيع فأجراه ثم رمى بسوطه رغبة في الزيادة فقال أعطوه منتهى سوطه وأقطع راشد بن عبد ربه السلمي غلوة بسهم ، وغلوة حجر برهاط ، وأقطع العداء بن خالد بن هوذة ما يقال له سواح الوخيخ ، وأقطع العباس بن مرداس منزله بالرشة إلى غير ذلك ، فعلى هذا كانت قطائع رسول الله ( ص ) إلا ما كان من شأن تميم الداري وأبي ثعلبة الخشني ، فإن تميماً سأل النبي ( ص ) أن يقطعه عيون البلد الذي كان منه بالشام قبل فتحه ، وأبو ثعلبة سأل النبي ( ص ) أن يقطعه أرضاً كانت بيد الروم فأعجبه الذي قال فقال : ألا تسمعون ما يقول فقال : والذي بعثك بالحق ليفتحن عليك ، فكتبت له كتاباً فاحتمل ذلك من فعله أن يكون أقطعهما ذلك إقطاعاً تقيد لا إقطاع تمليك ، ويجوز أن يكونا مخصوصين بذلك لتعلقه بتصديق إخبار وتحقيق إعجاز ، وأما الأئمة بعد رسول الله ( ص ) فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يقطعا إلا مواتاً لم يجر عليه ملك واصطفى عمر من أرض السواد أموال كسرى وأهل بيته وما هرب عنه أربابه أو هلكوا فكان مبلغ تسعة ألف ألف فكان يصرفها في مصالح المسلمين ولم يقطع شيئاً ثم إن عثمان رضي الله عنه أقطعها ، لأنه رأى اقتطاعها أوفر لغلتها من تعطيلها ، وشرط على من أقطعها أن يأخذ منه حق الفيء فكان ذلك منه إقطاع إجازة لا إقطاع تمليك وقد توفرت عليه حتى بلغت خمسين ألف ألف فكانت منها إقطاعاً به وصلاته ثم تناقلها الخلفاء بعده فلما كان عاد الجماجم سنة اثنين وثمانين وفتنة ابن الأشعث لحرق الديوان وأخذ كل قوم ما يليهم ، وإذا كان إقطاع الإمام إنما يختص بالموات دون العامر فالذي يؤثره إقطاع الإمام أن يكون المقطع أولى الناس بإحيائه من لم يسبق إلى إحياءه لما كان إذنه وفضل اجتهاده ، فلو بادر بإحيائها غير المقتطع فهي ملك للمحيي دون المقطع ، وقال أبو حنيفة : إن أحياها قبل مضي ثلاث سنين من وقت الإقطاع فهي للمقطع ، وإن أحياها بعد ثلاث سنين فهي للمحيي ، وقال مالك بن أنس : إن أحياها عالماً بالإقطاع فهي للمقطع ، وإن أحياها غير عالم بالإقطاع خير المقطع بين أن يعطي المحيي نفقة عمارته وتكون الأرض له وبين أن يترك عليه الأرض ويأخذ قيمتها قبل العمارة ، استدلالاً برواية معمر عن ابن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب أن رسول الله ( ص ) أقطع أقواها أرضاً فجاء آخرون في زمان عمر رضي الله عنه فأحيوها فقال لهم عمر رضي الله عنه حين فرغوا إليه تركتموهم يعملون ويأكلون ثم جئتم تغيرون عليهم ؟ لولا أنها قطيعة رسول الله ( ص ) ما أعطيتكم شيئاً ثم قومها عامرة وقومها غير عامرة ثم قال لأهل الأصل : إن شئتم فردوا عليهم ما بين ذلك وخذوا أرضكم ، وإن شئتم ردوا عليكم ثمن أرضكم ثم هلي لهم ، ودليلنا على أنها ملك المحيي بكل حال دون المقطع قوله ( ص ) : ‘ من أحيا أرضاً مواتاً فهي له ‘ ، ولأن الإقطاع لا يوجب التمليك والإحياء يوجب التمليك فإذا اجتمعا كان ما أوجب التمليك أقوى حكماً مما لا يوجبه ، فأما حديث عمر رضي الله عنه فقد قال في قضيته : لولا أنها قطيعة رسول الله ( ص ) ما أعطيتكم شيئاً فدل على أن من رأيه أنها للمحيي وإنما عدل عن هذا الرأي لما توجه إليها من إقطاع رسول الله ( ص ) فكره أن يبطله ، فاستنزل الخصمين إلى ما قضى به مرضاة لا جبراً ، فأما إن كان المقطع قد حجرها وجمع ترابها حتى تميزت عن غيرها فجاء