الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص481
فيما حمى رسول الله ( ص ) أنه حمى النقيع وهو بلد ليس بالواسع الذي إذا حمى ضاقت البلاد على أهل المواشي حوله وأضر بهم وكانوا يجدون فيما سواه من البلاد سعةً لأنفسهم ومواشيهم وأنه قليلٌ من كثيرٍ مجاوزٍ للقدر وفيه صلاحٌ لعامة المسلمين بأن تكون الخيل المعدة لسبيل الله تبارك وتعالى وما فضل من سهمان أهل الصدقات وما فضل من النعم التي تؤخذ من الجزية ترعى جميعها فيه فأما الخيل فقوةٌ لجميع المسلمين ومسلك سبيلها أنها لأهل الفيء والمجاهدين وأما النعم التي تفضل عن سهمان أهل الصدقات فيعاد بها على أهلها وأما نعم الجزية فقوةٌ لأهل الفيء من المسلمين فلا يبقى مسلمٌ إلا دخل عليه من هذا خصلة صلاحٍ في دينه أو نفسه أو من يلزمه أمره من قريبٍ أو عامةٍ من مستحقي المسلمين فكان ما حمى عن خاصتهم أعظم منفعةً لعامتهم من أهل دينهم وقوةً على من خالف دين الله عز وجل من عدوهم قد حمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على هذا المعنى بعد رسول الله ( ص ) وولي عليه مولى له يقال له هنى وقال له يا هنى ضم جناحك للناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابةٌ وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة وإياي ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخلٍ وزرعٍ وإن رب الغنيمة يأتيني بعياله فيقول يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا ؟ لا أبا لك والكلا أهون من الدرهم والدينار ( قال الشافعي ) رحمه الله وليس للإمام أن يحمي من الأرض إلا أقلها الذي لا يتبين ضرره على من حماه عليه وقال رسول الله ( ص ) ‘ لا حمى إلا لله ورسول ‘ ( قال ) وكان الرجل العزيز من العرب إذا انتجع بلداً مخصباً أوفى بكلبٍ على جبلٍ إن كان به أو نشز إن لم يكن ثم استعوى كلباً وأوقف له من يسمع منتهى صوته بالعواء فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحيةٍ لنفسه ويرعى مع العامة فيما سواه ويمنع هذا من غيره لضعفي ماشيته وما أراد معها فنرى أن قول رسول الله ( ص ) ‘ لا حمى إلا لله ورسوله ‘ لا حمى على هذا المعنى الخاص وأن قوله لله فلله كل محميٍّ وغيره ورسوله ( ص ) إنما يحمي لصلاح عامة المسلمين لا لما يحمي له غيره من خاصة نفسه وذلك أنه ( ص ) لم يملك مالاً إلا ما لا غنى به وبعياله عنه ومصلحتهم حتى صير ما ملكه الله من خمس الخمس وماله إذا حبس قوت سنته مردوداً في مصلحتهم في الكراع والسلاح عدةً في سبيل الله ولأن نفسه وماله كان مفرغاً لطاعة الله تعالى ‘ .
قال الماوردي : اعلم أن هذا الباب يشتمل على ثلاثة أحكام يختص بالموات ، وهي الإحياء ، والإقطاع ، والحمى ، فأما الإحياء فقد ذكرنا جوازه ومن يجوز له وسنذكر صفته ، وأما الإقطاع فإنه لا يصح إلا في موات لم يستقر عليه ملك ، وعلى هذا كانت قطائع