الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص476
وثلة البئر : هو ملقى طينها وطول الفرس وهو ما انتهى الفرس إليه بحبله الذي قد ربط به وحلقة القوم فإنه نهى منه عن الجلوس وسط الحلقة ، ولأن حريم العامر قد كان على عهد رسول الله ( ص ) ثم على عهد خلفاءه مقراً على أهله لم يتعرض أحد لإحياءه مع ما انتهوا إليه عند كثرتهم من ضيق العامر بهم ، ولأنه لو جاز إحياء حريم العامر ومنع أهله منه بالإحياء ليبطل العامر على أهله وسقط الانتفاع به ، لأنه يقضي إلى أن يبني الرجل داراً يسد بها باب جاره فلا يصل الجار إلى منزله وما أدى إلى هذا من الضرر كان ممنوعاً منه ، وليس الحريم مواتاً فيصح استدلال داود عليه .
أحدهما : ما لم يزل على قديم الدهر مواتاً لم يعمر قط فهذا هو الموات الذي قال فيه رسول الله ( ص ) : ‘ من أحيا أرضاً مواتاً فهي له ‘ فمن أحياه من المسلمين فقد ملكه وإن أحياه ذمي لم يملكه .
وقال أبو حنيفة : يملكه الذمي بالإحياء كالمسلم استدلالاً بعموم قوله ( ص ) : ‘ من أحيا أرضاً مواتاً فهي له ‘ ولأنها أعيان مباحة فجاز أن يستوي في تملكها المسلم والذمي كالصيد والحطب ؛ ولأن من صح أن يملك بالاصطياد والاحتطاب صح أن يملك بالإحياء كالمسلم ؛ ولأنه سبب من أسباب التمليك فوجب أن يستوي فيه المسلم والذمي كالبيع .
ودليلنا : قوله ( ص ) : ‘ الأرض لله ورسوله ثم هي لكم ‘ فواجه المسلمين بخطابه وأضاف ملك الموات إليهم فدل على اختصاص الحكم بهم .
وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ‘ إشارة إلى إجلائهم حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه من الحجاز فلما أمر بإزالة أملاكهم الثابتة فأولى أن يمنعوا من أن يستبيحوا أملاكاً محدثة ؛ لأن استدامة الملك أقوى من الاستحداث ، فإذا لم يكن لهم الأقوى فالأضعف أولى ؛ ولأن من لم يقر في دار الإسلام إلا بجزية منع من الإحياء كالمعاهد ، ولأن كل ما لم يملكه الكافر قبل عقد الجزية لم يملكه بعد عقد الجزية .
أصله : نكاح المسلمة ؛ ولأنه نوع تمليك ينافيه كفر الحربي فوجب أن ينافيه كفر الذمي كالإرث من مسلم .
فأما الجواب عن قوله ( ص ) : ‘ من أحيا أرضاً مواتاً فهي له ‘ فهل أن هذا الخبر وارد في بيان ما يقع به الملك .
وقوله : ‘ ثم هي لكم مني ‘ وارد في بيان من يقع له الملك فصار المعنى في كل واحد