پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص418

قال الماوردي : اعلم أن كل ما لا يقدر الراكب أن يفعله على البعير فعلى الجمال أن ينزله لأجله وما قدر على فعله لم ينزله ؛ فمما لا يقدر على فعله راكباً كحاجته إلى الغائط والبول وكذلك الوضوء لمن لم يشترط محملاً وصلاة الفرض لأنه وإن قدر عليها راكباً فالشرع يمنع من أدائها إلا نازلاً فإذا نزل لذلك لم يكن له أن يتباطأ ولا للجمال أن يعجله ويمكنه من قضاء حاجته وطهارته ومن أداء صلاته بفروضها وسننها فإن تثاقل في الحاجة وتباطأ عن العادة منع فإن كان طبعاً فيه وعادة له كان عيباً والجمال بالخيار بين الصبر له على ذلك أو فسخ الإجارة .

هكذا لو كان غير الركوب خير الجمال بين المقام أو الفسخ إلا أن يستبدل الراكب بنفسه من لا يكون عسوفاً فلا خيار للجمال فأما ما يمكن الراكب أن يفعله راكباً كالأكل والشرب وصلاة النافلة فليس على الجمال أن ينزله لذلك وسواء كانت النافلة من السنن الموظفات أو كانت تطوعاً لأن فعل الجميع على البعير جائز .

مسألة

قال الشافعي رحمه الله تعالى : ‘ ولا يجوز أن يتكارى بعيراً بعينه إلى أجلٍ معلومٍ إلا عند خروجه ‘ .

قال الماوردي : وهذا صحيح . وقد قدمنا أن إجارة الظهر للركوب أو الحمولة ضربان معينة ومضمونة ؛ فإن كانت معينة على بعير بعينه جاز أن يتقدر ركوبه بالمدة فيستأجره ليركبه من البصرة إلى مكة فيصير الركوب معلوماً بكلا الأمرين بالمدة والمسافة وتصح الإجارة عليه فإن شرط في هذا العقد المعين أجلاً جعل محلاً للقبض والتسليم كقوله أجرتك هذا البعير لتركبه إلى مكة على أن أسلمه إليك بعد شهر أو بعد يوم لم يجز وكان العقد فاسداً سواء قل الأجل أو كثر وقال أبو حنيفة يجوز العقد سواء قل الأجل أو كثر وقال مالك إن قل الأجل صح العقد وإن كثر فسد استدلالاً بأن قبض المنافع في الإجارات يتأخر حكماً في المضمون والمعين فجاز أن يكون إقباض الرقبة متأخراً شرطاً في المضمون والمعين .

ودليلنا هو أن ما تعين بعقود المعاوضات لم يجز تأجيل قبضه كالبيع ولأن عقود المنافع إذا تعينت رقابها بطلت بتأجيل إقباضها كالزوجة إذا شرط تأجيل تسليمها ولأنه عقد على منفعة عين يتخلل بين العقد والتسليم منفعة يستحقها غير العاقد فوجب أن يبطل العقد كالعقد على امرأة ذات زوج .

فأما الجواب عن استدلالهم بأن المنافع يتأخر قبضها حكماً فجاز أن يتأخر شرطاً فهو أن قبض المنافع متعجل وإنما الاستيفاء متأخر لتعذر التعجيل فيه وليس كالرقبة التي لا يتعذر تعجيل قبضها فإذا ثبت أن تأخير القبض بشرط لا يصح فإن وقع العقد مطلقاً ثم تأخر القبض فالعقد صحيح كالعين المبيعة إذا تأخر قبضها من غير شرط .

فصل

: فأما المضمون في الذمة فيجوز تقدير الركوب فيه بالمدة والمسافة كالمعين ويجوز تعجيله وتأجيله بخلاف المعين لأن ما ضمن في الذمة لم يمتنع فيه تأجيل القبض