الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص361
على قولين كالبيع ، وذهب آخرون منهم – وهو الأصح – إلى فساد العقد قولاً واحداً ، وفرقوا بين المساقاة والبيع بأن البيع يعدي عن الغرر فإذا دخل عليه غرر العين الغائبة بخيار الرؤية قوي على احتماله فصح فيه ، وعقد المساقاة غرر ، فإذا دخل عليه غرر العين الغائبة ضعف على احتماله فبطل فيه .
وإذا لم يكن يجوز إلا على معين مشاهد فإن كان عند عقد المساقاة لا ثمرة عليها ، صح العقد ولو أثمرت من وقته إن كانت عند عقد المساقاة مثمرة فقد قال المزني رضي الله عنه إن كان ذلك قبل بدو الصلاح جاز ، وإن كان بعده لم يجز وقال أبو ثور : إن احتاجت إلى القيام بها حتى يطيب جاز ، وإن لم يحتج لم يجز .
وقال أبو يوسف ومحمد : إن كانت تزيد جاز وإن كانت لم تزد لم يجز فأما الشافعي فقد حكي عنه في الإملاء جوازه من غير تفصيل لأنه لما جازت المساقاة على ثمره معدومة كان جوازها بالمعلومة أولى ، ولعل هذا على قوله في العامل أنه أجير . والمشهور من مذهبه والأصح على أصله أن المساقاة باطلة بكل حال ، وقد حكى البويطي ذلك عنه نصاً لأن علة جوازها عنده أن لعمله تأثيراً في حدوث الثمرة كما أن للعمل المضارب تأثيراً في حصول الربح ولو حصل ربح المال قبل عمل العامل لم يكن له فيه حق كذلك المساقاة ، فلو ساقاه على النخل المثمرة على ما يحدث من ثمرة العام المقبل لم يجز لأنه قد يتعجل العمل فيها استصلاحاً لثمرة قائمة من غير بدل .
وهكذا لو جعل له منها مائة صاع مقدرة لم يجز للجهل به من جملة الثمرة وأنه ربما كان جميعها أو سهماً يسيراً منها .
فلو قال قد ساقيتك على هذه النخل سنة ولم يذكر قدر نصيبه من ثمرها فقد حكي عن أبي العباس بن سريج جوازها وجعل الثمرة بينهما نصفين بالسوية حملاً لها على عرف الناس في المساقاة وتسوية بينهما في الثمرة وهذا خطأ لأن ترك ذكر العوض في العقد لا يقتضي حمله على معهود الناس عرفاً كالبيع والإجارة مع أن العرف فيه مختلف فإذا قال عاملتك على هذه النخل سنة ولم يذكر قدر نصيبه منها لم يجز عند أبي العباس بن سريج لأنه ليس للمعاملة عنده عرف ولو قال ساقيتك على مثل ما ساقى زيد عمراً فإن علما قدر ذلك جاز ، وإن جهلاه أو أحدهما لم يجز .
ويجوز أن يساقيه في السنين كلها على نصيب واحد مثل أن يقول على أن لك في السنين كلها النصف ويجوز أن يكون النصيب مختلفاً فيكون له في السنة الأولى النصف وفي الثانية الثلث وفي الثالثة الربع ومنع مالك من اختلاف نصيب العامل في كل عام حتى يساوي نصيبه في جميع الأعوام وهذا خطأ لأن ما جاز أن يكون العوض في أحواله متفقاً جاز أن يكون مختلفاً كالبيع والإجارة .