الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص336
قال الماوردي : اعلم أن العامل في القراض ممنوع أن يقارض غيره بمال القراض ما لم يأذن له رب المال إذناً صحيحاً صريحاً .
وقال أبو حنيفة : إن قال له رب المال عند دفعه : اعمل فيه برأيك جاز أن يدفع منه قراضاً إلى غيره ، لأنه مفوض إلى رأيه فجاز أن يقارض به لأنه من رأيه ، وهذا خطأ لأن قوله اعمل فيه برأيك يقتضي أن يكون عمله فيه موكولاً إلى رأيه ، فإذا قارض به كان العمل لغيره ، ولأنه لو قارض بجميع المال لم يجز وإن كان ذلك من رأيه لعدوله بذلك عن عمله إلى عمل غيره فكذلك إذا قارض ببعضه .
فإذا تقرر أنه لا يجوز أن يقارض غيره بالمال إلا بإذن صريح من رب المال فلا يخلو رب المال من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يأذن له في العمل بنفسه ، ولا يأذن له في مقارضة غيره .
والثاني : أن يأذن له في مقارضة غيره ، ولا يأذن له في العمل بنفسه .
والثالث : أن يأذن له في العمل بنفس وفي مقارضة غيره .
فأما القسم الأول وهو أن يأذن له في العمل بنفسه ولا يأذن له في مقارضة غيره فهو مسألة الكتاب .
فإن قارض غيره بالمال فقد تعدى وصار ضامناً للمال بعدوانه ، وأنه كالغاصب فيكون حكمه فيما حصل له من الربح معتبراً بحكم الغاصب فيما حصل له في المال المغصوب من ربح .
والغاصب إذا اشترى بالمال المغصوب عرضاً وأفاد فيه ربحاً لم يخل عقد ابتياعه من أن يكون بعين المال أو بغير عينه .
فإن كان بعين المال فالشراء باطل ، لأن العقد على المغصوب باطل ، ومع بطلان الشراء يفوت الربح فلا يحصل للغاصب ولا للمغصوب منه .
وإن كان الشراء في ذمة الغاصب والثمن مدفوع من المال المغصوب فالشراء صحيح لثبوته في الذمة ، والربح مملوك بهذا الابتياع لصحته .
وفي مستحقه قولان :
أحدهما : وهو قوله في القديم وبه قال مالك أن الربح للمغصوب منه دون الغاصب . ووجه ذلك شيئان :
أحدهما : لما كان ما حدث عن المال المغصوب من ثمار ونتاج ملكاً لربه دون غاصبه