الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص307
وهذا ذكره أبو علي بن أبي هريرة . فعلى هذا الوجه يكون القول والفعل معاً دليلاً مع ما رواه الشافعي عن عمر رضي الله عنه أنه دفع مالاً قراضاً على النصف ، وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أن عثمان رضي الله عنه دفع إليه مالاً قراضاً على النصف .
ثم دليل جوازه من طريق المعنى أنه لما جاءت السنة بالمساقاة وهي عمل في محل يستوجب به شطر ثمرها اقتضى جواز القرض بالمال ليعمل فيه به ببعض ربحه ، فكانت السنة في المساقاة دليلاً على جواز القراض ، وكان الإجماع على صحة القراض دليلاً على جواز المساقاة ، ولأن فيهما رفقاً بين عجز عن التصرف من أرباب الأموال ومعونة لمن عدم المال من ذوي الأعمال لما يعود على الفريقين من نفعهما ويشتركان فيه من ربحهما .
وصحة عقده معتبرة بثلاثة شروط ، أحدها : اختصاص أحدهما بالمال والثاني انفراد الآخر بالعمل والثالث العلم بنصيب كل واحد منهما من الربح وقد يتفرع عن كل شرط من هذه الشروط فروع نستوفيها في موضعها .
قال الماوردي : وهذا كما قال . لا يصح القراض إلا بالدراهم والدنانير دون العروض والسلع وبه قال جمهور الفقهاء .
وحكي عن طاوس والأوزاعي وابن أبي ليلى جواز القراض بالعروض لأنها مال كالدراهم والدنانير ولأن كل عقد صح بالدراهم والدنانير صح بالعروض كالبيع ، وهذا خطأ لأن القراض مشروط برد رأس المال واقتسام الربح وعقده بالعروض يمنع من هذين الشرطين ، أما رد رأس المال فلأن في العروض ما لا مثل لها فلم يمكن ردها ، وأما الربح فقد يفضي إلى اختصاص أحدهما به دون الآخر لأنه إن زاد خيره العامل بالربح فاختص به رب المال ، وإن نقص أخذ العامل شطر فاضله من غير عمل . وهذه أمور يمنع القراض منها فوجب أن يمنع ما أدى إليها ولأن ما نافى موجب القراض منع من أن ينعقد عليه القراض كالمنافع .
فأما الجواب عن قياسهم على الدراهم والدنانير فهو أنها لا تمنع موجب القراض وأما قياسهم على البيع فالمعنى منه أنه لا يلزم فيه رد مثل ، ولا قسمة ربح فجاز بكل مال .