الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج7-ص20
ولأن الاستثناء إذا رجع إلى جملة صار المراد بها ما بقي بعد المستثنى منها فلم يقع الفرق بين أن يكون ما عدا المراد جنساً أو غير جنس .
فإن قيل : فلم جاز الاستثناء عندكم في الإقرار من غير جنس ولم تجوزه في غير الإقرار ؟ ذ على أحد الوجهين : قيل لأنه قد يصح أنه يوجد في الحقوق المقر بها من غير الجنس بدلا عنها ويبعد وجود مثله في غير الإقرار
فأما إذا قال له : عليّ ألف استثني مئة ، أو أحط مئة أو أندر مئة فقد اختلف أصحابنا : هل يكون ذلك استثناء صحيحاً أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يكون استثناء صحيحاً لأنه قد صرح بحكمه فأغنى عن لفظه .
والوجه الثاني : لا يصح الاستثناء به لأنه موعد بالاستثناء كما إذا قال : استثني أو أحط بغير الاستثناء إذا قال أحط أو أندر .
ثم لا يصح الاستثناء إلا أن يكون متصلاً فإن انفصل بطل لاستقرار الحكم الأول . ولا يخلو إذا اتصل من ثلاثة أحوال : –
إما أن يرفع كل الجملة .
أو يرفع أقلها .
أو يرفع أكثرها .
فإن رفع كل الجملة كان باطلاً كقوله : علي ألف إلا ألفاً لأن هذا رجوع وليس باستثناء .
وإن رفع الأقل صح كقوله : ألف إلا مئة أو إلا أربعمائة فيصير الباقي من الألف بعد الاستثناء أربعمائة أكثر الألف ، هو ستمائة ، ويكون هذا المراد بالإقرار ولا يكون ما خرج بالاستثناء مراداً باللفظ وجرى مجرى قوله : له عليّ ستمائة درهم .
ألا ترى قوله تعالى : ( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ) ( العنكبوت : 14 ) .
وإن رفع الأكثر كقوله : ألف إلا تسعمائة أو إلا ستمائة ، فالذي عليه الفقهاء وأكثر أهل اللغة أنه استثناء صحيح حتى لو بقي من الألف بعد الاستثناء درهم صح .