الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص524
فلو أبرأه الموكل من الضمان فإن كان بعد تلف الشيء ، في يده وتعلق الغرم بذمته صحت البراءة وإن كان مع بقاء الشيء المضمون في يد الوكيل ففي صحة البراءة وجهان :
أحدهما : تصح كالإبراء مما تعلق بذمته – فعلى هذا إذا ادعى رده بعد ذلك قبل منه .
والثاني : أن البراءة منه لا تصح لأنها عين مضمونة كالغصب لا يسقط ضمانه بالإبراء منه – فعلى هذا إن ادعى رده لم يقبل منه . والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا منعه من دفع الثمن إليه حتى هلك ثم اختلفا . فقال الوكيل : منعتك معذورا فلا ضمان علي . وقال الموكل : منعتني غير معذور فعليك الضمان ، فالقول قول الوكيل مع يمينه ، إذا كان ما قاله ممكنا ، ولا ضمان عليه لأنه على أصل أمانته فلا تقبل دعوى الموكل عليه في انتقاله عن الأمانة إلى الضمان . وبالله التوفيق .
قال الماوردي : وهذا صحيح وصورتها في رجل ادعى على رجل أنه وكله ببيع متاعه وأقبضه إياه فأنكر المدعى عليه الوكالة وقبض المتاع فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر . فإن أقام المدعي بينة بالوكالة وقبض المتاع ، صار ضامنا لأنه خرج بالجحود عن الأمانة فصار كجاحد الوديعة ، فلو ادعى بعد قيام البينة عليه تلفها أو ردها على مالكها لم تقبل دعواه ، لأن من ضمن مالا لم يقبل قوله في ادعاء البراءة منه . ولأنه صار بالإنكار الأول مكذبا لهذه الدعوى منه .
وهكذا لو عاد بعد إنكاره فأقر بقبض المتاع فادعى تلفه أو رده لم يقبل منه ، وكان ضامنا له لقيام البينة عليه بقبضه ، فلو أقام البينة برده على موكله أو بتلف ذلك في يده قبل جحوده ففيه وجهان :
أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنها بينة مردودة لأنه قد أكذبها بسابق إنكاره .
والوجه الثاني : وهو قول أبي القاسم الصيمري وحكاه أبو حامد الإسفراييني أن بينته مقبولة لتقدم ما شهد به على الجحود الموجب للضمان . والوجه الأول أصح .