الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص465
صحت الكفالة كما لو قال كفلت لك بوجه فلان ، فإن كان العضو مما لا يعبر به عن الجملة ينظر ، فإن كان لا يحيى بفقده مثل الكبد والفؤاد ، فإذا قال كفلت لك بكبد فلان أو فؤاد فلان صحت الكفالة وجرى مجرى قوله بنفس فلان ، وإن كان العضو مما يحيى مع فقده كاليد والرجل ، فإذا قال كفلت لك بيد فلان أو برجل فلان ففيه وجهان حكاهما ابن سريج أحدهما يصح كالطلاق والعتق ، والثاني لا يصح لأنه قد يفقد ذلك العضو الذي عين في الكفالة ولا يؤثر في الحق . فأما إذا قال كفلت لك بنصف فلان أو بثلث فلان أو بجزء منه صحت الكفالة لأن الجزء الشائع فيه لا ينفصل منه فكان أقوى في الحكم من أعضائه .
إما أن تكون مقيدة بزمان ومكان أو مطلقة ، فإن كانت مطلقة استحق مطالبة الكفيل عاجلا في المكان الذي تكفل فيه ، وإن كانت مقيدة بزمان ومكان فتقييدها بالزمان أن تقول على أنني أسلمه إليك بعد شهر ، فلا يستحق مطالبته قبل مضي الشهر وتقييدها بالمكان أن تقول على أنني أسلمه إليك بالبصرة ، أو في مجلس الحكم فلا يستحق مطالبته به في غير ذلك الموضع ، فإن سلمه الكفيل قبل الشهر فإن كان الحق الذي عليه مؤجلا لا يحل قبل الشهر أو كانت له بينة غائبة لا تحضر قبل شهر لم يبرأ بتسليمه إلا عند رأس الشهر وإن كان دينه حالا وبينته حاضرة برئ بتسليمه في الحال لأنه لا يستفيد بتأخيره شيئا ، وهكذا لو كفل به على أن يسلمه بالبصرة فسلمه في غيرها فإن كان يخاف عليه في الموضع الذي سلمه من يد غالبة أو كانت له بينة بالبصرة وفي حمله إلى البصرة مؤونة ، لم يبرأ بتسليمه إلا بالبصرة وإن كان المكان آمنا والبينة حاضرة واستيفاء الحق ممكنا برئ بتسليمه ، لأنه لا يستفيد بحمله إلى البصرة شيئا فلو كفل به إلى وقت فمضى الوقت ولم يأت به فإن كان المكفول به حاضرا مقدورا عليه حبس الكفيل حتى يأتي به . وإن كان غائبا غير مقدور عليه فهو في حكم المعسر يجب إنظاره حتى يقدر عليه ولا يجوز حبسه كما لا يجوز حبس من أعسر بالدين حتى يوسر ، فلو سلم المكفول به نفسه برئ الكفيل من كفالته فإن أبى المكفول له أن يقبله أشهد المكفول به الدافع لنفسه إنه قد سلم نفسه في كفالة فلان وبرئ الكفيل منها وهكذا لو أحضره الكفيل فأبى المكفول له أن يقبله أشهد الكفيل على تسليمه فأبرأه الحاكم ، فإن تعذر فعدل من المسلمين فإن أبرأ نفسه من الكفالة برئ .