الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص448
قال الماوردي : وصورتها في رجل ادعى على رجل حاضر ، إنه باع عليه وعلى رجل غائب عبدا بألف درهم ، وأقبضها إياه ، وإن كل واحد منهما ضامن ما على صاحبه بأمره ، فصار له على هذا الحاضر بشرائه وضمانه ألف درهم ، فلا يخلو حال الحاضر المدعى عليه من أحد أمرين إما أن يقر ، أو ينكر ، فإن أقر بالدعوى لزمه دفع الألف إلى المدعي ، فإذا قدم الغائب فلا رجوع له عليه بشيء إلا أن يقر بمثل ما أقر لأن إقراره لازم له وليس بلازم لغيره وإن أنكر وكان للمدعي بينة سمعت عليه وقضي بها ، فإن ذكرت البينة في شهادتها الغائب باسمه ونسبه قضي على الحاضر بألف درهم من شرائه وضمانه ، فإن لم تذكر الغائب باسمه ، سمعت على الحاضر بالشراء ، وهل تسمع عليه بالضمان أم لا ؟ على وجهين من اختلافهم في معرفة المضمون عنه هل يكون شرطا في صحة الضمان أم لا ؟ فإن قيل إن معرفته شرط في صحة الضمان عنه لم تسمع البينة على الحاضر بالضمان وقضى عليه بخمسماية لشرائه دون ضمانه .
وإن قيل إن معرفته ليست بشرط ، سمعت عليه ، وقضى عليه بالألف لشرائه وضمانه فإذا قضينا بالألف كلها بالبينة المسموعة عليه ، ثم قدم الغائب فأراد الحاضر أن يرجع عليه بالخمسماية التي قامت بها البينة ، فإن اعترف له الضامن بذلك رجع عليه وإن أنكر نظر في الحاضر ، حين أنكر ، فإن كان أنكر الشراء أو الضمان وأكذب الدعوى ، لم يكن له أن يرجع على الغائب بشيء ، لأنه مكذب لبينته ، معترف بأن المأخوذ منه ظلم وإن لم يكن أنكر الشراء والضمان ولا أكذب البينة وإنما دفع الدعوى بأن المدعي لا يستحق المطالبة بها ، فله أن يرجع على الغائب بما دفع عنه ، وتكون البينة حجة عليه للمدعي بألف ، وحجة له على الغائب بخمسماية .
فأما المزني فإنه لما رأى أبا حنيفة يوافق على هذا مع امتناعه من القضاء على الغائب جعل ذلك منه قضاء على الغائب .
فاختلف أصحابنا فكان أبو علي بن أبي هريرة وطائفة يذهبون إلى قول المزني إنه قضاء على الغائب وإن مذهب أبي حنيفة به منكسر ، لأن فيها إلزام الشراء للغائب ليلزم الحاضر ضمانه .