الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص427
فإن كانت باقية في يد المحتال كان للمحيل انتزاعها من يده ، ولم يكن للمحتال منعه منها إلا أن لا يصل إلى حقه لمطله إلا بها ، فيجوز له فيما بينه وبين الله تعالى أن يحبسها عليه ليستوفي حقه منها ، وإن كانت تالفة لا تراجع بينهما ، لأن المحيل يقول تلفت على ملكي أمانة في يدك فهي تالفة من مالي والمحتال يقول تلفت بعد أن أخذتها من حقي فقد استوفيت حقي منك .
فأما على مذهب أبي العباس بن سريج إن القول قول المحتال ، فلا يخلو حالها من أن تكون المحتال قد قبضها ، أو لم يقبضها ، فإن لم يكن قبضها ، فله أن يقبضها من بعد ، لأن قول المحيل لم يقبل في إبطال الحوالة ، وإن كان قد قبضها فقد برئ المحال عليه منها وليس للمحيل أن يرجع بها سواء كانت باقية أو تالفة .
وأما قول المزني : ولو أحال رجل بألف وضمنها له ، فقد اختلف أصحابنا في معنى قوله ، وضمنها له على ثلاثة مذاهب : –
أحدها : أنه قال ذلك على سبيل التأكيد ، وليس ضمان المحال عليه شرطا في صحة الحوالة وهذا قول أبي العباس بن سريج وأبي إسحاق المروزي وابن أبي هريرة ومن قال إن الحوالة تتم بالمحيل والمحتال .
والثاني : أنه شرط في صحة الحوالة ، وهو قول المزني والزبيري والاصطخري ومن قال إن الحوالة تتم بالمحيل والمحتال ورضا المحال عليه .
والثالث : أنها مصورة في حوالة على من لا حق عليه للمحيل ، فتجري مجرى الضمان ولا تصح إلا برضاه وقبوله .
قال الماوردي : وصورتها بعكس المسألة التي تقدمتها وهو أنهما اختلفا بعد الحوالة المطلقة فقال المحيل أحلتك بمالك علي ، وقال المحتال بل أحلتني لأقبضه لك نيابة عنك وحقي باقي في ذمتك ، فعلى مذهب المزني : القول قول المحتال ، لأن المحيل مدعي للبراءة من حقه فكان فالقول قول المحتال :
وعلى مذهب ابن سريج القول قول المحيل اعتبارا بظاهر اللفظ ، فإذا تقرر ما ذكرنا من المذهبين ، فإذا قيل بمذهب المزني إن القول قول المحتال ، لا يخلو حال الحوالة من أن تكون قد قبضت أو لم تقبض ، فإن لم يكن المحتال قبضها لم يجز أن يقبضها من بعد ،