الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص401
وإن رسول الله ( ص ) ‘ قضى بمثل ذلك للزبير بن العوام على بعض الأنصار حتى قال الأنصاري : إن كان ابن عمتك فتعمر وجه رسول الله ( ص ) فأنزل الله : ‘ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ‘ . فلما جاء الخبر والأثر بمثل ما ذكرنا لزوال الضرر عن الجار دل على أن الضرر يزال بالإجبار .
ولأنه لما استحقت الشفعة لزوال الضرر بها ووجبت القسمة إذا دعي إليها أحد الشريكين لينتفي الإضرار معها ، كان وجوب المباناة مع ما فيها من تضاعف الضرر أولى .
والقول الثاني قاله في الجديد وهو الصحيح وبه قال أبي حنيفة أنه لا إجبار في ذلك ويترك كل واحد منهما إلى أن يختار البناء لقوله ( ص ) : ‘ لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ‘ .
ولأنه لا يجبر على عمارة ملكه ، ولا عمارة ملك غيره في حال الانفراد فوجب أن لا يجبر على عمارته في حال الاشتراك كالزرع والغراس طردا وكنفقة البهائم عكسا .
ولأنه لا يخلوا أن يكون الإجبار لمصلحة نفسه ، أو لمصلحة غيره وقد تقرر أنه لا يجبر على واحد منهما .
فأما الجواب عن قوله ‘ لا ضرر ولا ضرار ‘ فهو أنه ليس استعماله في نفي الضرر عن الطالب بإدخاله على المطلوب ، بأولى من نفيه عن المطلوب بإدخاله على الطالب .
إذ ليس يمكن نفيه عنهما ، فتناوب الأمران فيه فسقط الاستدلال بظاهره .
وأما حديث عمر فهو قضية في عين لا يجوز أن يستدل بعمومها ولعل إجراء المال قد كان مستحقا من قبل .
لأن الإجماع لا يلزم أحد أن يجري ماء غيره على أرضه وكذلك حديث الزبير .
وأما استحقاق الشفعة لإزالة الضرر بها ، فلأنه لا يدخل على الغير إضرار بها . لأنه قد يأخذ ما قدر وليس كذلك في العمارة والمباناة .
وأما القسمة فليست غرما ، وإنما هي لتمييز الملكين وإقرار الحقين والعمارة غرم محض فافترقا .