الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص368
وكذلك لو قال إن أقررت لي بحقي فقد أبرأتك من خمسين دينارا فأقر لم يبرأ من شيء لأن تعليق البراءة بشرط لا يصح .
فإن حط الباقي بغير لفظ الإبراء فقال : قد صالحتك من المائة على خمسين ففيه وجهان :
أحدهما : وهو قياس قول أبي إسحاق المروزي لا يصح .
والثاني : وهو قياس قول أبي الطيب بن سلمة يصح .
وتوجيه هذين القولين مبني على ما نذكره عنهما فيما بعد . وإن كان الحق عينا قائمة فصورته :
أن يدعي دارا في يد رجل فيعترف له بها ويصالحه منها على نصفها فهذا يكون هبة .
فإن فعل ذلك بلفظ الهبة فقال بعد أن أقر له بالدار قد وهبت لك نصفها صح . واعتبر فيه ما يعتبر في صحة الهبة من القبول ومرور زمان القبض . وهل يحتاج إلى إذنه في القبض ؟ على قولين : وإن لم يذكره بلفظ الهبة بل قال : صالحتك من هذه الدار على نصفها ففيه وجهان :
أحدهما : وهو نص قول أبي إسحاق المروزي أنه لا يجوز لأنه مالك لجميع الدار فلم يجز أن يصالحه على بعضها كما لا يجوز فيما نص عليه الشافعي أن يصالحه على سكناها .
والوجه الثاني : وهو قول أبي الطيب بن سلمة أنه يجوز لأنه لما جاز أن يصالحه على ما في الذمة على بعضه جاز أن يصالحه عن الأعيان على بعضها . ومن هذين يخرج الوجهان الأولان وكل ذلك بناء على اختلاف المذهبين في الصلح هل هو فرع لغيره أو أصل بذاته .
قال الماوردي : وهذا صحيح .
ومقصود الشافعي بها تفسير قوله فما جاز في البيع جاز في الصلح وما بطل فيه بطل في الصلح ، فإذا ورث أخوان تركة صالح أحدهما الآخر على مال من حقه لتصير له التركة كلها بإرثه وصلحه فهذا في حكم البيع لأنه يصير مشتريا من أخيه نصيبه من الميراث فيصح بثلاثة شروط يعتبر بها صحة البيع :
أحدها : معرفة التركة بالمشاهدة لها والإحاطة بها .