الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص345
قال الله تعالى : ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا ) [ النور : 59 ] وقال النبي ( ص ) : ‘ رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم ‘ .
ثم كان هذا السن مجمعا على البلوغ به فاقتضى أن يكون ما دونه مردودا بظاهر الثمن . والدلالة على ما قلنا حديث ابن عمر رواية ابن جريج عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : عرضت على النبي ( ص ) عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني ولم يرني بلغت وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة ، فأجازني في المقاتلة .
وقد روي عنه أيضا أنه قال : عرضت على رسول الله ( ص ) عام بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فردني ، وعرضت عليه عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني ولم يرني بلغت وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني في المقاتلة . فالدلالة من هذين الحديثين من وجهين :
أحدهما : أنه لما رده سنة أربع عشرة لأنه لم يبلغ علم أن إجازته سنة خمس عشرة ، لأنه قد بلغ لأنه لا يجوز أن يرده لمعنى ثم يجيزه مع وجود ذلك المعنى .
والثاني : أنه أجازه سنة خمس عشرة في المقاتلة وهم البالغون وبذلك كتب عمر بن عبد العزيز لأمراء الأجناد أن هذا فرق ما بين الذرية والمقاتلة ، فإن قيل : فيجوز أن يكون ابن عمر بلغ خمس عشرة سنة بالاحتلام لا بالسن قيل هذا خطأ لأن الحكم المنقول مع السبب يقتضي أن يكون محمولا على ذلك السبب . كما نقل أن ماعزا زنا فرجم . والسبب المنقول هو السن فعلم أن البلوغ محمول عليه .
فإن قيل : يحتمل أن الرد سنة أربع عشرة للضعف والإجازة سنة خمس عشرة للقوة .
كما روي عن سمرة بن جندب أنه قال : ‘ عرضت على رسول الله ( ص ) فردني وأجاز غلاما فقلت رددتني وأجزته ولو صارعته لصرعته ، فقال صارعه فصارعته فصرعته فأجازني ‘ .
فدل على أن الرد والإجازة إنما يتعلق بالضعف والقوة .
قيل : قد يجوز أن يكون الرد في حديث سمرة للضعف والإجازة للقوة حملا له على سببه ، وفي حديث ابن عمر للسن حملا على سببه .
فإن قيل : لحديث ابن عمر لا يصح لأنه نقل أن بين أحد والخندق سنة وقد روى