پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص333

شهادتهم لأن حدوث الإعسار لا يعلمه إلا من يخبر باطن أمره فإذا ثبتت البينة بإعساره على ما وصفنا فإن سأل الغرماء إحلافه على إعساره بعد إقامة البينة على الإعسار أحلف لهم ، وقال أبو حنيفة لا يجوز أن يحلف بعد قيام البينة بإعساره لأن في ذلك جمعا بين البينة واليمين وذلك غير جائز في الأصول وهذا غلط لأن ما يطالب باليمين على نفيه غير ما قامت البينة به ، لأن شهادة البينة تنفي ما ظهر من المال ويمينه ينفي ما خفي من المال فصار المنفي بالبينة غير المنفي باليمين وجرى ذلك مجرى رجل ادعى على رجل مالا وأقام بينة فادعى المشهود عليه أنه أبرأه من الدين وأن المدعي يحلف مع البينة بالله أنه لم يبرئه ولا يكون ذلك جمعا بين البينة واليمين لأن ما أثبته بالبينة غير ما نفاه باليمين فإذا ثبت أنه يحلف مع قيام البينة فحلف وجب أن يفك عنه الحجر ويخلى وبماذا يفك حجر على وجهين :

أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي . أنه ينفك الحجر عنه بقيام البينة بإعساره مع يمينه من غير أن يفتقر فك الحجر إلى حكم الحاكم به ، لأن ثبوت إعساره يوجب فك حجره كما يوجب قضاء دينه ثم كان قضاء الدين يقع به فك الحجر من غير حكم فكذلك الإعسار .

والوجه الثاني : أنه لا ينفك عنه الحجر إلا بحكم الحاكم لأن تعلق حقوق الغرماء بذمته يقتضي وجوب مطالبته فلم يسقط حقهم من ذلك إلا بحكم بخلاف المؤدي لجميع دينه ويوشك أن يكون هذان الوجهان مخرجان من اختلاف قوليه في معنى الحجر – فإن قيل أنه يجري مجرى حجر المرض انفك الحجر عنه بغير مرض كالمريض وإن قيل أنه يجري مجرى حجر السفه لم ينفك الحجر عنه إلا بحكم كالسفيه .

( فصل )

وأما إن لم تقم البينة بإعساره وجب حبسه بديونه – إن سأل الغرماء حبسه – وحكي عن عمر بن عبد العزيز ، والليث بن سعد : أنه لا يجوز أن يحبس أحد في دين ، لأن رسول الله ( ص ) ما حبس في دين ! قط والدلالة على جواز الحبس في الدين قوله ( ص ) : ‘ إن لصاحب الحق يدا ومقالا ‘ يعني باليد : الحبس والملازمة وبالمقال : الاقتضاء والمطالبة وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ لي الواجد يبيح عرضه وعقوبته ‘ . يعني بإباحة العرض : المطالبة والتوبيخ بالمماطلة . وبالعقوبة : الحبس ، لأن ما سوى الحبس من الضرب وغيره لا يجوز وقوله : ‘ لي الواجد ‘ . يعني : منعه ومماطلته . ومنه قول ذي الرمة :

( تطيلين ليالي وأنت ملية
فأحسن بآداب الوساخ التقاضيا )