الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص326
في دين : فهو أنه منقطع لا يلزمنا الأخذ به ولو لزم لجاز أن يكون سرق عبدا باعه في دين سيده أو حرا أجره باختيار نفسه أو باعه في صدر الإسلام حين كان الشرع واردا في الحر بجواز بيعه ، وأما الجواب عن حديث عمر : فهو أنه فعل ذلك باختيار المفلس وأما الجواب عن استدلالهم بأن القدرة على العمل كالقدرة على المال في تحريم الصدقة ففاسد بذات الروح في أن الروح تقوم مقام المال في تحريم الصدقة ولا تقوم مقام في قضاء الدين وبالأبوين كالمال في تحريم الصدقة دون الدين ثم المعنى في الصدقة أنه يستبيحها المحتاج والقادر على الكسب غير محتاج وقضاء الدين يتعلق بالمال والقدرة على الكسب ليس بمال ، وأما الجواب عن الاستدلال بأن المنافع كالأعيان : فهو أنها ليست بمال وإنما يجوز أن يصير في الثاني مالا ولو كانت مالا لوجب على غاصب الحر ضمان منافعه والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا كما قال مؤونة المفلس في زمان حجره واجبة في ماله وكذلك مؤونة من يلزمه الإنفاق عليه من الأقارب والزوجات يقدم بها على الغرماء وأصحاب الديون لقول النبي ( ص ) : ‘ ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ‘ ولقوله ( ص ) للأعرابي حين قال : إن معي دينارا . قال : ‘ أنفقه على نفسك ‘ قال : إن معي آخر قال : ‘ انفقه على زوجتك ‘ . قال : إن معي آخر . قال : أنفقه على ولدك ، ولأنه بالحجر مسلوب النفع معطل الكسب ، ولأنه لو لم يكن ذا مال لوجب نفقته على كافة المسلمين فوجب إذا كان له مال أن يقدم بإنفاق منه فإن قيل إنما يتقدم بنفقة نفسه فأما نفقة أقاربه التي هي مواساة وهو بنفسه ليس من أهل المواساة فلم يقدم بها قيل ، لأن نفقات الأقارب تجري قبل الفلس مجرى نفقة نفسه فأجريت على ذلك بعد فلسه فإذا تقرر أنه مستحق في مدة حجرة تقدر مؤنته ومؤنة زوجته وأقاربه .
فالمؤونة : هي القوت والكسوة ، فأما القوت فمقدر الزمان بمدة حجره ومعتبر القدر بحسب كفايته فإن كانت مدة الحجر يوما واحدا لم ينفق عليه أكثر منه وإن كانت شهرا لم يقصر عنه ولا يعتبر في القوت حال شهواته وملاذه وإنما يعتبر قوت مثله الذي لا يستغني عنه وأما الكسوة فإن كانت عليه كسوة متماسكة ليس فيها سرف تركت على حالها ولم يكن غيرها