الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص323
بديونهم وإلى الورثة بإرثهم فلما كان حق الورثة ينتقل إليهم حالا ، لأنه لا يبقى للميت ملك بعد موته فوجب أن يكون حق الغرماء ينتقل إليهم حالا ، لأنه لا يبقى له أيضا ملك بعد موته ، ولأنه لا يخلو حال التركة في الديون المؤجلة من أحوال ثلاثة .
إما أن تكون موقوفة إلى حلول الدين . وهذا لا يجوز لما فيه من الأضرار بالورثة في تأخير إرثهم والإضرار بالميت في تأخير دينه مع قول النبي ( ص ) : ‘ نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى ‘ .
وإما أن يدفع إلى الورثة وهذا لا يجوز ، لأن الله تعالى قضى لهم بالتركة بعد قضاء الدين فقال تعالى : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) [ النساء : 11 ] ، ولأنه لا يخلو أن يقسموا قدر الدين ليكون في ذمتهم أو يعزلوه إلى وقت المحل فلم يجز إقسامهم به ، لأنهم لم يملكوه ، ولأن أرباب الديون لم يرضوا بذمهم . ولم يجز أن يعزلوه ، لأن فيه تعزيرا به وتعليقا لنفس الميت بدينه وعدم فائدة لهم وللميت بعزله لهم فلم يبق وجه إلا أن يتعجلوه ليبرأ ذمة الميت منه ويقتسم الورثة ما فضل عنه .
أحدهما : أنه يحل بالفلس كما يحل بالموت وهو مذهب مالك . وهذا على القول الذي يجري حجر الفلس مجرى حجر المرض لأن المفلس ينتقل ماله بالفلس إلى غرمائه كما ينتقل مال المريض بالموت إلى ورثته فلما كان الموت يوجب حلول الأجل وجب أن يكون الفلس بمثابته يوجب حلول المؤجل ، ويلخص هذا الثلث : أن خراب الذمة يوجب التسوية بين الديون الحالة والمؤجلة كالموت .
والقول الثاني : أنها على آجالها – لا تحل بالفلس – وهو مذهب المزني . وهذا على القول الذي يجري منها حجر المفلس مجرى حجر السفيه ، لأن ديون السفيه لا تحل لبقاء ملكه وجواز استفادته فكذلك المفلس لما كان ممن يملك ويجوز أن يحدث له ملك ويبقى له ذمة لم تحل ديونه وخالف الميت الذي لا يبقى له ملك ولا يجوز أن يحدث له ملك ولم يبق له ذمة حيث حلت ديونه ، ولأن الحجر على المفلس إنما كان بالديون الحالة دون المؤجلة بدليل أنه لو كانت ديونه مؤجلة لم يجز الحجر عليه بها والمفلس إنما يجب صرف ماله فيمن كان الحجر عليه من أجله بدليل أن من حدث دينه بعد الحجر لم يكن مشاركا في ماله الذي وقع عليه الحجر فكذلك أرباب الديون المؤجلة .