الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج6-ص146
وإن طالب الراهن فأغرمه لم يرجع الراهن على العدل لأن الراهن مظلوم بها فلا يرجع على غير ظالمه .
والثاني : أن يكون الراهن المصدق غائبا عند الدفع ، فهل يبرأ العدل من حق الراهن بتصديقه أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يبرأ بتصديقه كما لو كان حاضرا عند دفعه ثم يكون المرتهن بالخيار ، بين مطالبة الراهن أو العدل ، فإن أغرم العدل لم يرجع العدل على الراهن ، وإن أغرم الراهن لم يرجع الراهن على العدل .
والوجه الثاني : أن العدل لا يبرأ من حق الراهن ، وإن صدقه الراهن على الدفع ، وهو قول أكثر أصحابنا ؛ لأن العدل مفرط حيث لم يشهد على المرتهن وإن كان مصدقا فلم يبرأ من حق الراهن ، لأجل تفريطه فعلى هذا المرتهن بالخيار بين مطالبة الراهن أو العدل ، فإن طالب العدل فأغرمه لم يرجع العدل على الراهن ، وإن طالب الراهن فأغرمه رجع الراهن على العدل لأن العدل لم يبرأ من حق الراهن .
والضرب الثالث : أن يكون الراهن لم يأذن له بالدفع ، والمرتهن مقر بالقبض ، فقد برئ العدل من مطالبة المرتهن بإقراره ، ولم يبرأ من مطالبة الراهن لعدم إذنه ، ووجدت أبا العباس من أصحابنا البصريين يقول : إن العدل قد برئ من مطالبة الراهن ، وليس له مطالبته بالثمن لحصول الإبراء للراهن بإقرار المرتهن بالقبض .
وهذا عندي غير صحيح بل على العدل غرامة الثمن للراهن وإن برئ من حق المرتهن ، لأن العدل متعد بالدفع متطوع بالأداء ، فلزمه الغرم بتعديه ، ولم يسقط عنه بتطوعه كما لو قضى الدين من ماله .
والضرب الرابع : أن يكون الراهن لم يأذن له بالدفع ، والمرتهن منكر للقبض ، فالقول قول المرتهن مع يمينه أنه لم يقبض ، لأن قول العدل غير مقبول على المرتهن ، ثم لكل واحد من الراهن والمرتهن مطالبة العدل بالثمن ، أما الراهن فلعدم إذنه ، وأما المرتهن فلإنكار قبضه ، وله أن يمتنع من غرامة الثمن لأحدهما إلا بإذن الآخر ، كالثمن الأول الذي كان له أن يمتنع من دفعه إلى أحدهما إلا بإذن الآخر ، لئلا يلزمه غرامة ثمنين ، فيغرم لكل واحد منهما ثمنا ، فإن غرم الثمن للراهن من غير إذن المرتهن ، كان للراهن أن يأخذ بغرامة الثمن ثانية ، وإن غرم الثمن للمرتهن من غير إذن الراهن كان الراهن أن يأخذه بغرامة الثمن ثانية وللمرتهن مطالبة كل واحد من العدل والراهن معا ، فإن طالب الراهن فأغرمه ، كان للراهن أن يرجع على العدل بالثمن وإن طالب العدل فأغرمه لم يكن للعدل أن يرجع به على الراهن .
ثم ينظر ، فإن غرمه بإذن الراهن برئ من مطالبة الراهن وإن غرمه بغير إذنه لم يبرأ من مطالبته فهذا حكم دعوى العدل تسليم الثمن إلى المرتهن .