پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص410

نظره في مصلحة المشتري بأولى من نظره في مصلحة البائع لوفور الثمن ، وإذا تقابل الأمران وجب تفريق الفريقين في الاجتهاد لأنفسهم فيجتهد المشتري في الاسترخاص ويجتهد البائع في وفور الربح .

فأما استدلالهم بقوله ( ص ) : ‘ الجالب مرزوق والمحتكر ممحوق ‘ فهذا يكون في الاحتكار ، والتسعير غير ذلك . لأن المسعر هو الذي يأتي إلى الذي يبيع متاعه فيسعره عليه ، ويقدر له الثمن فيه ، لأن لا يزيد عليه ، والمحتكر الممتنع من بيعه على أن طريق هذا الحديث الإرشاد ، فقد روي عن سعيد بن المسيب وهو راوي الحديث أنه كان يحتكر الزيت فقيل له في ذلك فقال كان معمر يحتكر وأما استدلالهم بحديث عمر رضي الله عنه فقد رواه الشافعي تاما وهو أن عمر رضي الله عنه حاسب نفسه ثم عاد إلى حاطب فقال إن الذي قلت ليس بعزيمة مني ، ولا قضاء ، وإنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد . . الحديث فكان هذا من أدل دليل على أن التسعير لا يجوز . وأما الخبر المروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فليس بصحيح لما فيه من تحريق أموالهم ولا يجوز للإمام تحريقها عليهم .

وإنما المروي عنه أنه مر بسوق التمارين بالبصرة فأنكر عليهم بعض باعاتهم وأما قولهم إن فيه مصلحة الناس في رخص أسعارهم عليه فهذا غلط بل فيه فساد ، وغلاء الأسعار ، لأن الجالب إذا سمع بالتسعير امتنع من الجلب فزاد السعر ، وقل الجلب ، والقوت ، وإذا سمع بالغلاء وتمكين الناس من بيع أموالهم كيف احتووا جلب ذلك طلبا للفضل فيه ، وإذا حصل الجلب اتسعت الأقوات ورخصت الأسعار .

فصل :

فإذا ثبت أن الإمام لا يجوز له التسعير في الأقوات على الناس فخالف وسعرها عليهم فباع الناس أمتعتهم بما سعرها عليهم فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكرههم على بيعها ، ولا يمكنهم من تركها فهذا بيع باطل ، وعلى مشتري ذلك بالإكراه أن يرده على ما باعه ويسترجع ما دفعه من ثمنه فإن البيع مع الإكراه لا يصح وقال أبو حنيفة بيع المكروه بالسلطان باطل وإن أكرهه غير السلطان فبيعه جائز ؛ لأن الإكراه من غير السلطان قادر ، ودفعه ممكن . وهذا غير صحيح بل بيع المكره باطل لرواية صالح ، وعامر عن شيخ من تميم قال : خطبنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقال : سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسى على ما في يده ، ولم يؤمر بذلك . قال الله تعالى : ( ولا تنسوا الفضل بينكم ) [ البقرة : 237 ] وتبايع المضطرون .

وقد نهى رسول الله ( ص ) عن بيع المضطر ، وبيع الغرر وبيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها والمكره مضطر .