الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص400
قالوا : ولأن الجلود والأكارع والروس بعض الحيوان والسلم فيها لا يجوز ، فلأن لا يجوز السلم في جميعه أولى ، وتحريره قياسا أن ما لا يجوز في بعضه لم يجز السلم في كله كالجواهر . قالوا ولأن الحيوان يجمع أشياء متغايرة لأنه يجمع لحما وشحما وجلدا وعظما . وما اختلفت أنواعه وتغايرت أخلاطه لا يصح فيه السلم كالمعجونات وكذلك الحيوان .
قالوا : ولأن الحيوان لا يضبط بالصفة المقصودة منه لأنه إن كان من الإبل العوامل فالمقصود منه قوته وصبره ، وإن كان من السوائم فالمقصود منه كثرة الدر وصحة النتاج ، وإن كان للركوب فالمقصود منه سرعة المشي ووطء الظهر ، وإن كان عبدا فالمقصود منها ثقته وخدمته ، وإن كانت جارية فالمقصود منه جمال محاسنها وحلاوة شمائلها وعفة فرجها ، وكل هذه الأوصاف غير مضبوطة بل هي بغير المشاهدة غير معلومة إلا بالتجربة والخبرة .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه في جواز السلم فيه حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله ( ص ) جهز جيشا فعزت الإبل فأمرني أن آخذ بعيرا ببعيرين إلى إبل الصدقة .
فلما بطل أن يكون هذا قرضا لظهور الفضل فيه تبين أنه سلم وروى أبو الزبير عن جابر أن عبدا بايع النبي ( ص ) على الهجرة فجاء سيده يريده فقال له النبي ( ص ) بعنيه فاشتراه منه بعبدين أسودين .
ولأن كل عين صح ثبوتها في الذمة مهرا صح ثبوتها في الذمة سلما كالثياب طردا والجوهر عكسا ، ولأن كل ما صح أن يكون في الذمة عوضا في عقد الكتابة صح أن يكون في الذمة سلما كالحنطة ، ولأنه عقد معاوضة فجاز أن يكون الحيوان في الذمة عوضا فيه كالنكاح والكتابة ، ولأنه جنس يجب فيه الصدقة فجاز فيه السلم كالحبوب .
ولأن الحيوان مضبوط الصفة شرعا وعرفا أما الشرع فقوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) إلى قوله تعالى : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ) الآية ، إلى قوله تعالى : ( الآن جئت بالحق ) [ البقرة : 67 : 71 ] . قال قتادة معناه الآن ثبت الحق .
فلولا أن الصفة مضبوطة لم يكن فيها بيان وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ لا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها ‘ .