الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص355
أحدهما : يرجع بعينها لأنها عين ما اقترض فلم يلزم أن يعدل عنها إلى البدل .
والوجه الثاني : أنه ليس له استرجاع عينها إلا برضا المقترض ويرجع إلى بدلها لسقوط ذلك بخروجها عن يده وعودها باستحداث ملك آخر . فلو أن المقترض رهن ما اقترضه لم يكن للمقرض أن يرجع بعينه لتعلق حق المرتهن به ويرجع عليه ببدله . فلو فكه من الرهن قبل الرجوع ببدله كان للمقرض أن يرجع بعينه دون بدله لأنه قد كان على ملك المقترض لم يزل عنه بالرهن .
فلو كان المقترض قد أجره كان للمقرض أن يرجع به ، لأنه مع الإجارة باق على ملكه ، والإجارة على حالها لا تبطل برجوع المقرض ، والأجرة للمقترض لأن عقد الإجارة في ملكه ، فإن أراد المقرض أن يرجع ببدله كان ذلك له لأن إجارته بعض لا يلزمه الرضا به .
فلو كان القرض في يد المقترض فحدث به عيب عنده : فإن كان القرض مما يستحق الرجوع بمثله كان المقرض بالخيار بين أن يرجع بعين ما أقرض معيبا ولا أرش له وبين أن يرجع بمثله سليما ، وخالف المغصوب الذي لا يجوز الانتقال عن عينه مع وجوده لأن الغصب لا يزيل الملك والقرض يزيله ، وإن كان القرض مما يستحق الرجوع بقيمته كان له أن يرجع بالقرض معيبا وبأرش عيبه .
والفرق بينهما : أن ما له مثل فليس للقيمة فيه مدخل فكذلك الأرش ، وما لا مثل له لما وجبت قيمته دخله الأرش .
فأما الشرط الأول : فهو إطلاق القرض حالا من غير أجل مشروط فيه ، فإن شرط فيه أجلا وقال : قد أقرضتك مائة درهم إلى شهر لم يجز .
وقال مالك يجوز القرض مؤجلا ويلزم فيه الأجل ولا يجوز للمقرض المطالبة به قبل أجله .
وحكي نحوه عن علي وابن عباس .
وكان بعض أصحابنا يغلط فيذهب إلى جوازه ويتناول كلاما للشافعي في كتاب السلف أنه قال : وإن وجد الحاكم من يسلفه المال حالا لم يجعله أمانه .
وإن دليل هذا الكلام جواز القرض مؤجلا . وهذا تأويل فاسد لأن الشافعي أجاز ذلك للحاكم ، وإن كان يرى تأجيل القرض على مذهب من يجيزه لأن أموال اليتامى لا يجري نظر الحاكم فيها مجرى نظر المالكين . وإن كان مذهبه لم يختلف في حظر تأجيل القرض . واستدل من إلى ذهب جواز تأجيله بقوله ( ص ) : المسلمون على شروطهم . ولأن حقوق المراضاة إذا صح ثبوتها في الذمة معجلا صح ثبوتها في الذمة مؤجلا كالأثمان .