الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص349
فاختلف أصحابنا في المعنى الذي لأجله نهى النبي ( ص ) عن ذلك ومنع منه . فقال جمهورهم : إن المعنى فيه أن قوما بالمدينة كانوا يتلقون الركبان إذا وردت بالأمتعة فيخبرونهم برخص الأمعتة وكسادها ويبتاعونها منهم بتلك الأسعار ، فإذا ورد أرباب الأمتعة المدينة شاهدوا زيادة الأسعار وكذب من تلقاهم بالأخبار ، فيؤدي ذلك إلى انقطاع الركبان وعدولهم بالأمتعة إلى غيرها من البلدان فنهى النبي ( ص ) عن تلقيهم نظرا لهم ، ولما في ذلك من الخديعة المجانبة للدين ، كما نهى أن يبيع حاضر لباد نظرا لأهل البلد لتعم المصلحة بالفريقين بالنظر لهما .
وقال آخرون : بل المعنى في النهي عن تلقيهم أن من كان يبتاعها منهم يحملها إلى منزله ويتربص بها زيادة السعر ، فلا يتسع على أهل المدينة ولا ينالون نقصا من رخصها فنهى النبي ( ص ) عن تلقي الركبان للبيع حتى ترد أمتعتهم السوق فتجتمع فيه وترخص الأسعار بكثرتها فينال أهل المدينة نفعا برخصها ، فيكون هذا النهي نظرا لأهل المدينة أيضا كما نهى أن يبيع حاضر لباد نظرا لأهل المدينة والله أعلم .
واستدرك بالفسخ إزالة ما ورد النهي عنه .
ثم اختلف أصحابنا في هذا الخيار على وجهين :
أحدهما : أنه خيار عيب وهذا قول من زعم أن معنى النهي عن تلقيهم ما يلحقهم من الغبن باسترخاص أمتعتهم ، فعلى هذا لو لم يغبنوا في بيعها وأخبروا بالأسعار على صدقها وكان سعر العسل بالبلد عشرة أمناء بدينار فأخبروهم أن سعره كذلك فلا خيار لهم لأنهم لم يلحقهم غبن في بيعهم ، وإنما يثبت لهم الخيار إذا أخبروهم والسعر عشرة أمناء بدينار وأنه يساوي أحد عشر منا بدينار فيكونوا بالخيار لأجل الغبن .
والثاني : لهم الخيار اعتبارا بوجوبه في ابتداء الحال .
ثم يكون هذا الخيار مستحقا على الفور لأنه خيار عيب ، فمتى أمكنهم الفسخ بعد قدوم البلد فلم يفسخوا سقط .
والوجه الثاني : في الأصل أن هذا الخير خيار شرع ، وهذا قول من زعم أن معنى النهي عن تلقي الركبان أن تجتمع الأمتعة في البلد فترخص على أهله ، فعلى هذا ثبت الخيار لأرباب الأمتعة سواء غبنوا في بيعها أم لا ، صدقوهم في الأسعار أم كذبوهم .
وفي زمان الخيار على هذا وجهان :
أحدهما : أنه على الفور كالعيب فإن ترك الفسخ مع الإمكان سقط .