الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص327
يعود فإن قيل : أليس لو باع عبدا قد أرسله في حاجة جاز ، وقد يجوز أن لا يعود فهلا كان الطير الألف مثله . قلنا : لأن العبد ليس يعجز الناس عن أخذه وإن بعد عن سيده فكان في حكم المقدور عليه ، ليس كذلك الطير لأنه قد يعجز الناس عن أخذه وكان خروجه عن اليدين يرفع حكم القدرة عليه فأما إن كان الطير في برج مالكه : فإن كان باب البرج مفتوحا لم يجز بيعه لأن قد يقدر على الطيران فصار في حكم ما طار ، وإن كان باب البرج مغلقا جاز بيعه لظهور القدرة عليه وتسليمه بالتمكين منه في برجه ، وتمام قبضه بإخراجه من برجه . أما إذا فرخ الطائر في دار رجل لم يكن فرخه وكذا ما ولده الصيد في أرضه ، غير أنه أولى بصيده من جميع الناس لما يستحقه من التصرف في ملكه وإن له منع الناس عنه من دخول أرضه وداره .
فلو أن غير صاحب الدار باع فرخ الطائر أو ولد الصيد قبل أخذه لم يجز ، لأنه وإن كان مقدورا عليه فلم يثبت ملكه عليه .
ألا ترى أن غير صاحب الدار لو أخذ الفرخ ملكه .
فأما بيع نحل العسل فإن لم يكن طائرا لصغره أو لأنه قد حصل في كندوجه جاز بيعه بعد مشاهدته ، وإن كان قد خرج عن كندوجه طائرا لرعيه ثم يعود ليلا إلى كندوجه على عادة جارية ففي جواز بيعه وجهان أحدهما لا يجوز وهو قول أبي حنيفة لأنه غير مقدور عليه في الحال كالطير الآلف إذا طار .
والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس بن سريج أن بيعه جائز وإن كان طائرا بخلاف الطير الطائر . والفرق بينهما أن النحل إن حبس عن الطيران تلف لأنه لا يقوم إلا بالرعي ولا يقع فيه إلا عند طيرانه ليرعى ما يستخلف عسلا وليس كذلك ما سواه من الطير لأن حبسه ممكن ومنفعته مع الحبس حاصلة .
وإن كان في بركة أو حوض وحظر عليه حتى لا يقدر على الخروج لم يخل حال السمك من أحد أمرين : إما أن يكون مشاهدا أو غير مشاهد ، فإن كان غير مشاهد كان بيعه باطلا ، وغلط بعض أصحابنا فجعله كالعين الغائبة إذا بيعت لخيار الرؤية وهذا غلط لأن العين الغائبة قد يمكن صفتها لتقدم مشاهدة البائع لها وهذا مما لم يتقدم مشاهدته ولا يمكن صفته ولا تعلم قلته ولا كثرته ولا جودته ولا رداءته .
فإن كان السمك مشاهدا لقلة الماء وصفائه ، وإن كان السمك كثيرا يمكن أخذه بغير آلة جاز بيعه للقدرة عليه ، وخالف فرخ الطائر الذي لا يجوز بيعه مع القدرة عليه لأن حصول