الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص300
وقال أبو حنيفة : لا يتحالفان في هذا كله ويكون القول قول من نفاه استدلالا بأن العقد يصح مع الخلو منه فصار مدعيه مستأنفا للدعوى فيه لأن مقصود العقد هو ما كان عوضا من ثمن أو مثمن وهذه كلها غير مقصودة فلم يتساوى مع حكم المقصود .
وهذا الذي قاله خطأ لعموم الخبرين من غير تخصيص . ولأن صفات العقد ملحقة بأصله فوجب أن يكون حكمها في التحالف كحكمه . ولأن هذه كلها قد تأخذ من الثمن قسطا لأن الثمن قد يزيد وينقص بعدمها فصارت في الحكم كأجزاء الثمن والمثمن وليس لما قاله من أن خلوها من العقد جائز وجها في المنع من التحالف لأن زيادة الثمن قد يصح أن تخلو من العقد ولا تمنع من جواز التحالف ، ولا لقوله إنها غير مقصودة في نفسها وإنما هي تبع لغيرها وجه أيضا لأنها قد تقصد ولذلك شرطت ولو لم تقصد وكانت تبعا لوجب أن تلحق بحكم يسوغها والله أعلم .
قال الماوردي : إذا ثبت أن اختلاف المتبايعين يوجب التحالف مع بقاء السلعة وتلفها فالتحالف إنما يكون عند حاكم نافذ الحكم لأن الأثمان المستحقة في الدعاوى إنما تتعلق بها الأحكام عند الحكام ، ولو تحالفا لأنفسهما لم يكن لأيمانها تأثير في فسخ ولا لزوم . وإذا كان كذلك وأراد الحاكم أن يحلفهما عند اختلافهما فقد قال الشافعي في كتاب السلم الكبير في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى يبدأ بإحلاف البائع قبل المشتري وقال في كتاب المكاتب ما يقتضيه ثم خالف في الصداق فقال : إذا اختلف الزوجان في المهر وتحالفا بدأت بالزوج وهذا مخالف لما تقدم لأن الزوج يحل محل المشتري . وقال في كتاب الدعوى والبينات وآداب القضاة إن بدأ البائع باليمين خير المشتري وإن بدأ بها المشتري خير البائع وهذا يدل على أن للحاكم تقديم أيهما شاء فهذه ثلاثة نصوص مختلفة .
واختلف أصحابنا فيها على طريقين . فمنهم من جعلها أقاويل مختلفة وخرج المسألة على ثلاثة أقاويل :
أحدها : يبدأ بيمين البائع لأنه أقوى جنبة لعود المبيع إليه بيمينه .
والثاني : أنه يبدأ بيمين المشتري لأنه أقوى جنبة لكون المبيع وقت التحالف على ملكه . والقول الثاني أن للحاكم تقديم أيهما شاء لاستوائهما في الدعوى .
وقال آخرون من أصحابنا : وهو أصح أنه ليس اختلاف هذه النصوص لاختلاف الأقاويل وإنما الجواب على ظاهره في البيوع والصداق فيبدأ في البيع بإحلاف البائع قبل المشتري على ظاهر نصه وفي الصداق بإحلاف الزوج قبل الزوجة على ظاهر نصه .