الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص298
النبي ( ص ) أنه قال : ‘ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ‘ وكل واحد من المتبايعين منكر ومدع لأن البائع يقول بعت بألف ولم أبع بخمسمائة والمشتري يقول : اشتريته بخمسمائة ولم اشتره بألف صح ذلك أن كل واحد منهما يجوز أن يقيم البينة والبينة إنما تسمع من المدعي دون المنكر فدل على أن كل واحد منهما مدع بما يجوز أن يتحالفا مع بقاء السلعة بوفاق أبي حنيفة واليمين عند أبي حنيفة أنما تكون على المنكر دون المدعي فثبت أن كل واحد منهما منكر فصار كل واحد منهما مدعيا منكرا فوجب أن يتحالفا . ويدل على ذلك أيضا الحديث الذي رواه الشافعي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ( ص ) قال : ‘ إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار ‘ ولم يفرق بين بقاء السلعة وتلفها . فإن قيل فقد شرط بقاء السلعة في التحالف في الخبر الآخر فصار هذا الإطلاق محمولا على ذلك التقييد كما حملتم إطلاق العتق في كفارة الظهار على التقييد العتق في كفارة القتل ؟ قيل ليس هذا من المقيد الذي يحمل إطلاق جنسه عليه لأن إطلاق خبرنا إنما يوجب تحالفهما مع بقاء السلعة وتلفها فصار قوله والسلعة قائمة بعض ما تناوله إطلاق خبرنا وذلك لا يوجب التخصيص لأنه لا ينافيه . فإن قيل فما الفائدة من قوله إذا اختلفا والسلعة قائمة تحالفا مع استواء الحكم في قيامها وتلفها قيل يحتمل وجوها :
أحدها : التنبيه على حكم التحالف مع التلف لأن بقاء السلعة يمكن معه اعتبار قيمتها فيغلب به قول من كانت دعواه أقرب إليه ومع التلف لا يمكن فلما أسقط اعتبار هذا وأوجب التحالف مع قيام السلعة كان وجوب التحالف مع تلفها أولى .
والثاني : أنه نص على بقاء السلعة إسقاط لاعتبار اليد بخلاف قول مالك حتى إذا تحالفا مع وجود اليد كان تحالفهما مع زوال اليد أولى .
والثالث : أنه نص على بقاء السلعة لأن تلفها قد يكون مبطلا للعقد إذا كان قبل القبض وبقاؤها ليس يبطل معه العقد فيتحالفان مع بقائها ولا يتحالفان مع تلفها . فإن قيل فلا دلالة لكم في هذا الخبر لأنه جعل القول فيه قول البائع وأنتم لا تقولون به قيل قد جعل المشتري بعد بالخيار ومن جعل القول قول البائع على الإطلاق لم يجعل للمشتري خيارا وإذا ثبت خيار المشتري بعد يمين البائع فخياره في قبول السلعة بما حلف عليه البائع أو يحلف بعده ويفسخ البيع ، وكذا القول في تحالفهما وإنما خص النبي ( ص ) البائع بالذكر لأنه المبتدئ باليمين . . . ويدل على المسألة من طريق المعنى أنه اختلاف في صفة عقد بيع صحيح فاقتضى أن يوجب التحالف .
أصله إذا كانت السلعة قائمة ولأن ما يوجب فسخ العقد يستوي فيه الباقي والتالف كالاستحقاق . ولأنه فسخ لا يفتقر إلى تراضيهما فإذا صح مع تراد الأعيان صح مع تراد القيم