الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص288
رسول الله ( ص ) إلا أن يتوب فقالت أرأيت لو أخذت رأس مالي قالت فتلت عائشة رضي الله عنها قوله تعالى : ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ) [ البقرة : 275 ] .
قالوا فلما أبطلت عائشة رضوان الله عليها البيع وجهاد زيد لم يجز أن يكون عن اجتهاد منها بل عن نص وتوقيف لأمرين :
أحدهما : أن القياس لا يقتضيه .
والثاني : أن إبطال الجهاد بالاجتهاد لا يجوز فثبت أن قول عائشة رضي الله عنها محمول على سماعها ذلك من رسول الله ( ص ) .
قالوا وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عمن باع حريرة بمائة درهم ثم اشتراها بخمسين درهما فقال دراهم بدراهم متفاضلة وحريرة دخلت بينهما . قالوا ولأن ذلك ذريعة إلى الربا ومؤديا إليه وما كان مؤديا إلى الربا كان ممنوعا لقول النبي ( ص ) من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه وقال ( ص ) ‘ لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها ‘ يعني بقوله جملوها أي أذابوها فلعنهم لأنهم فعلوا ما أداهم إلى الحرام . ولأن البائع في ابتياعه الثاني قد استفضل زيادة ليس في مقابلتها عوض فوجب أن يمنع منه لنهيه ( ص ) عن ربح ما لم يضمن والدلالة على ما ذهبنا إليه من جواز البيع عموم قوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) [ البقرة : 275 ] ولأن كل سلعة جاز بيعها من غير بائعها بثمن جاز بيعها من بائعها بذلك الثمن كالعرض ولأن كل سلعة جاز بيعها من شخص بعرض جاز بيعها منه بقيمة ذلك العرض كالأجنبي ولأنه بيع لا يحرم التفاضل في عوضه فوجب أن لا يكون الرجوع في تقدير ثمنه إلى عاقد كالبيع الأول . ولأن لكل واحد من العقدين حكم نفسه بدليل أن كل واحد منهما يصح مع التراضي ويبطل مع الإكراه ويفتقر إلى البدل والقبول وإذا انفرد كل واحد منهما بحكم نفسه لم يجز اعتبار أحدهما بالآخر ولا بناء أحدهما على الآخر . وأما الجواب عن استدلالهم بحديث عائشة رضي الله عنها فمن وجوه :
أحدها : ضعف إسناده ووهاء طريقه .
قال الشافعي : قلت لمن احتج بهذا الحديث أتعرف هذه المرأة فقال : لا ، فقلت كيف يصح لك الاحتجاج بحديث من لا تعرفه على أن أبا حنيفة لا يقبل من أحاديث النساء إلا ما روته عائشة وأم سلمة .
والجواب الثاني : أن عائشة رضي الله عنها إنما أبطلت البيع إلى العطاء لأنه أجل مجهول والآجال المجهولة يبطل بها البيع .