الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص276
ثم الدليل عليهما من طريق المعنى : أن البائع لا يجب عليه استبراء . وهو أن بقاء ملك البائع لا يوجب إباحة الاستمتاع فلو وجب عليه أن يستبرئ لكان الملك باقيا والاستمتاع محرما وإرادة البيع لا توجب انتقال الملك فوجب أن لا يوجب تحريم الاستمتاع . ولأن الأمة موطوءة في ملك فاقتضى أن يجب استبراؤها بعد زوال الملك كالزوجة .
فأما الجواب عن استدلال عثمان البتي بأن الحرة لما وجب استبراؤها قبل عقد النكاح اقتضى أن يجب استبراء الأمة قبل عقد البيع ، فهو أن ما ذكره البتي لا يصح لأن الملك قد يكون بالسبي والإرث والوصية فلم لم يستبرئها المشتري أفضى إلى اختلاط المياه واشتباه الأسباب والفرق بين البيع والتزويج أن النكاح لا يراد إلا للاستمتاع فلا يجوز إلا فيمن تحل فوجب أن يتقدمه الاستبراء ولهذا لا يصح تزويج معتدة ولا مرتدة ولا مجوسية ولا وثنية ولا محرمة بالرضاع ولا المصاهرة . والبيع يراد لغير ذلك فصح البيع قبل الاستبراء ولهذا صح في هذه المحرمات ووجب الاستبراء على المشتري .
وأما الجواب عن استدلال الحسن فإنهما ماآن فوجب لكل واحد منهما استبراء مائه فهو أن الاستبراء لماء واحد وهو البائع السالف دون المشتري الآنف ، ألا ترى أن استبراء الحرة أغلظ من استبراء الأمة لأنها تستبرأ بثلاثة أقراء والأمة بقرء واحد فلما وجب على الحرة واحد مع تغليظ حالها فالأمة مع خفة أمرها أولى أن يلزمها استبراء واحد .
وقال مالك إن كانت جميلة وجب أن توضع في مدة الاستبراء على يد عدل وإن كانت قبيحة جاز أن تستبرأ في يد المشتري لأن الجميلة تدعو الشهوة إليها فلا يؤمن من المشتري أن تغلبه الشهوة على وطئها قبل الاستبراء وليس كذلك القبيحة .
ودليلنا أن رسول الله ( ص ) أمر الغانمين بالاستبراء بعد حصول السبي بأيديهم فكذلك المشتري . ولأنه استبراء لاستحداث ملك فوجب أن يكون عند المشتري كالقبيحة الوحشة كان استبراؤها عند المالك . ولأن كل سبب إذا ملكت به القبيحة كان استبراؤها عند المالك فوجب إذا ملكت به الجميلة أن يكون استبراؤها عند المالك كالسبي فإن مالكا يوافق عليه . ولأنه سلم ما لزمه من الثمن فوجب أن يستحق تسليم المثمن كسائر المبيعات ولا يدخل عليه السلم لأنه لم يلزمه تسليم المثمن . ولأنه لو وجب منع المشتري منها حتى تستبرأ لبطل من وجهين :
أحدهما : أنه عقد على عين لزم فيه تأخير القبض وهذا باطل .