الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص200
من فسادها ولأجل ذلك قال الله تعالى في قصة يوسف : ( فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ) وإذا كان بقاء الحنطة في سنبلها أمنع من فسادها جرى مجرى الجوز واللوز في قشره الذي قد اتفقوا على جواز بيعه إجماعا فكذا الحنطة في سنبلها حجاجا . وتحرير ذلك أنه مجهول بما يصلحه من أصله فجاز بيعه فيه كالجوز واللوز في قشره .
ودليل قوله في الجديد أن بيعه باطل ما روي عن النبي ( ص ) أنه نهى عن بيع الغرر ‘ . وبيع الحنطة في سنبلها غرر لأنه تردد بين الجودة والرداءة والصحة والفساد .
وروي عن النبي ( ص ) : ‘ أنه نهى عن بيع الطعام حتى يفرك ‘ يعني بفتح الراء ومعنى الفرك التصفية .
وروي عن النبي ( ص ) : ‘ أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان ‘ ولا يمكن أن يجري في الصاع إلا بعد التصفية .
ولأن المقصود بالعقد مستور بما لا يدخر غالبا فيه فوجب أن يكون بيعه باطلا كتراب الفضة والشاة المذبوحة .
ولأن الحنطة بعد الدرس في تبنها أقرب إلى تصفيتها من أن تكون في سنبلها . فلما لم يجز بيعها في أقرب الحالين إلى التصفية فأولى أن لا يجوز في أبعدهما من التصفية .
ولأنه لما لم يجز أخذ القشرة منها إذا كانت في سنبلها للجهل بها والقشر مساواة فالبيع أولى أن لا يجوز ، لأن المعاوضة أفسد بالجهالة من المساواة .
فأما الجواب عن نهيه عن بيع الحب حتى يشتد مع تفرد حماد بن سلمة بروايته فهو أن هذه غاية قد جعل النبي ( ص ) بعدها غاية أخرى وهي قوله يفرك والحكم إذا علق بغايتين لم يتعلق بوجود إحداهما حتى يوجدا معا كما قال تعالى : ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) [ البقرة : 230 ] .
فكان النكاح غاية التحريم فاقتضى أن يحل بعده فلما قال النبي ( ص ) : ‘ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ‘ صارت هذه غاية ثانية فلا يحل إلا بعد وجودهما وصار كأنه قال فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته .
فإن قيل : فإذا لم يحل بيعه أن يشتد إلى أن يفرك فلم جعل غاية النهي الأول حتى يشتد .