الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص139
ولأن كل ما لم يتعين بالعقد وجب أن يكون اشتراط التعيين فيه مبطلا لذلك العقد كالسلم . فلما كان اشتراط التعيين في الأثمان لا يبطل العقد دل على أنها تتعين بالعقد . ولأن العقد يشتمل على ثمن ومثمن فلما كان الثمن يتنوع نوعين : معين وهو البيع ، وغير معين وهو السلم ، اقتضى أن يكون الثمن أيضا بتنوع نوعين : معين بالإشارة وغير معين بالإطلاق .
وأما الجواب عن احتجاجه بقول الفراء فهو أن الثمن قد يكون تارة ذهبا وورقا ويكون تارة عروضا وسلعا . فلما لم يكن قوله في العروض والسلع مبطلا لتعيينها جاز ألا يكون قوله في الذهب والورق مبطلا لتعيينها . على أن التعيين حكم شرعي فلم يكن قول أهل اللغة فيه حجة .
وأما الجواب عن استدلاله بحديث ابن عمر فهو محمول على الأثمان المطلقة اعتبارا بغالب أحوال التجار في بياعاتهم ، وعرفهم الجاري في تجاراتهم .
وأما الجواب عن استدلاله بأن ما جاز إطلاق ذكره لم يتعين فهو أن إطلاق ذكره إنما جاز لأن فيه نقدا غالبا وعرفا معتبرا ، ولو كان في جنس من العروض نوع غالب وعرف معتبر جاز إطلاق ذكره كالنقود ، ولو كانت النقود مختلفة لم يجز إطلاق ذكرها كالعروض . لأن ما تضمنه العقد لا بد أن يكون معلوما ويصير معلوما بأحد ثلاثة أوجه : إما بالإشارة ، وإما بالصفة ، وإما بالعرف . سواء كان ذلك ثمنا أو مثمنا .
وأما الجواب عن استدلاله بأن تعيين النقود غير مفيد فجرى مجرى تعيين الميزان والوزان اللذين لما لم يفيدا لم يتعينا بالعقد . فهو أن في تعيين النقود للناس أغراضا صحيحة ، ولو جاز أن يكون عدم الفائدة فيها يمنع من تعيينها بالعقد لجاز أن يكون ذلك مانعا من تعيينها بالقبض أو في الغصب .
فأما الميزان والوزان فلما كان المقصود منه مقدار المعقود عليه ولم يكن يملك بالعقد لم يتعين بخلاف النقود المملوكة بالعقد .
قال الماوردي : اعلم أن الصرف على ضربين : معين وفي الذمة . فأما ما كان في الذمة فيأتي من بعد . وأما المعين فصورته أن يقول قد بعتك هذه العشرة دنانير بعينها بهذه المائة درهم بعينها . فيلزم كل واحد منهما دفع ما تعين بالعقد .
فلو قبض المشتري الدنانير بعينها فوجدها معيبة لم يخل حال عيبها من أحد أمرين :