الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص135
فأما أبو حنيفة فالكلام معه في هذه المسألة مبني على الكلام في التي قبلها . وأما الجواب عن استدلالهم باللبن فهو أن أكمل منافع اللبن يوجد إذا كان لبنا . فجاز بيع بعضه ببعض لكمال منافعه ، وليس كذلك الرطب لأن كمال منافعه يكون إذا يبس ، إذ كل شيء أمكن أن يعمل من الرطب أمكن أن يعمل من التمر ، وليس كل شيء أمكن أن يعمل من اللبن أمكن أن يعمل من الجبن والمصل .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن نقصهما قد استوى من الطرفين فهو ما ذكرناه دليلا أن ذلك أبلغ في المنع . على أنهما لا يستويان في النقص إذا نقص الرطب يختلف باختلاف أنواعه ويتباين بتباين أزمانه .
أحدها : جوازه لأنه لم ينعقد فشابه بيع القصيل بالحنطة .
والثاني : لا يجوز بخلاف القصيل بالحنطة لأن نفس الطلع يصير رطبا وتمرا ، وليس يصير نفس القصيل حنطة وإنما تنعقد فيه الحنطة .
والثالث : وهو أصح أنه إن كان من طلع الفحول جاز كالقصيل لأنه لا يصير رطبا .
وإن كان من طلع الإناث لم يجز لأنه يصير رطبا .
وكان أبو العباس بن سريج يجيز بيع الرطب الذي لا يصير تمرا بمثله لأنها حال كمال منافعه كاللبن . وليس هذا صحيحا لأن النادر من الجنس يلحق بالغالب منه في الحكم .
قال الماوردي : وهذا صحيح . لا يجوز بيع الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة . لأن المبلولة تنقص إذا جفت ويبست ، كما لا يجوز بيع التمر بالرطب .
وكذا لا يجوز بيع الحنطة المبلولة بالحنطة المبلولة لجواز أن يختلفا في النقصان إذا يبسا كما لا يجوز بيع الرطب بالرطب .
وكذا لا يجوز بيع الحنطة المقلوة بالحنطة النية لأن النار قد أخذت من أجزاء المقلوة وأحدثت فيها انتفاخا يمنع من المماثلة ، كما لا يجوز بيع الزيت المغلي بالزيت النيئ .
وكذا لا يجوز بيع الحنطة المقلوة بالحنطة المقلوة لأن ما أحدثته النار فيهما قد يختلف ، كما لا يجوز بيع الزيت المغلي بالزيت المغلي .