الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص127
وإنما اختلف قوله فيها لاختلاف قوله في خرص رسول الله ( ص ) ثمار المدينة وأعناب الطائف فهل كان لمعرفة قدر الزكاة أو لإفراز حقوق أهل السهمان ؟ فإذا قيل خرصها لمعرفة قدر الزكاة فيها وإنما كان إفراز الحق تبعا لمعرفتها .
فعلى هذا القول لا تجوز قسمة الثمار خرصا وتكون القسمة بيعا .
وإذا قيل إنما خرصها لإفراز حق أهل السهمان منها جاز قسمة الثمار خرصا وكانت القسمة إفراز حق وتمييز نصيب .
فإذا قيل إن القسمة بيع وهو مذهب أبي حنيفة وأشهر القولين فوجهه :
أن الشريكين في الدار كل جزء منها بينهما نصفان . فإذا اقتسما فأخذ أحدهما مقدم الدار وأخذ الآخر مؤخرها صار صاحب المقدم بائعا لحصته من مؤخر الدار بحصة شريكه من مقدمها ، لأنه نقل ملك بملك وهذا هو البيع المحض .
وإذا قيل إن القسمة إفراز حق وتمييز نصيب فوجهه أربعة أشياء : أحدها : أن القسمة لما خالفت البيع في الاسم وجب أن تخالف البيع في الحكم لأن اختلاف الأسامي دليل على اختلاف المعاني .
والثاني : أن القسمة لما دخلها الجبر والإكراه ، ولم يصح البيع مع الجبر والإكراه ، دل على اختلافهما وعدم التسوية بين حكميهما .
والثالث : أنه لما صح دخول القرعة في تعيين الملك بالقسمة ولم يصح دخول القرعة في تعيين الملك بالبيع حتى يكون معينا بالعقد دل على أن القسمة مخالفة للبيع .
والرابع : أنه لما كان من أحكام البيع استحقاق الشفعة وضمان الدرك ، وانتفى عن القسمة استحقاق الشفعة وضمان الدرك دل على تنافي حكميهما وعدم الجمع بينهما .
إما أن يكون مما فيه الربا أم لا .
فإن لم يكن فيه الربا كالثياب والحيوان والصفر والنحاس ، جاز لهما أن يقتسماه ، كيف شاءا ، وزنا وعددا وجزافا ومتفاضلا ، لأن التفاضل في بيع ما لا ربا فيه جائز ، ويجوز اشتراط الخيار فيه .
وإن كان مما فيه الربا فعلى ضربين :
أحدهما : أن يكون جنسا يجوز بيع بعضه ببعض كالحنطة . فلا يجوز أن يقتسماه إلا كيلا متساويا ويتقابضا قبل التفرق ، ولا يصح منهما اشتراط الخيار فيه ، ولا يثبت لهما خيار المجلس ، فتكون صحة هذه القسمة معتبرة بخمسة شروط .